مساحة حرة

نقاش على حافة الهاوية

لا تعترف الاحتياجات التنموية عادةً بالظروف الطارئة، فثمّة ضرورات لا تقبل التأجيل تتصل بيوميات دولة ومواطن، وتتسم بدرجة عالية من الحساسية على اعتبار أنها حامل الاستمرار، وفي ظرفٍ عصيب كظرفنا الراهن يمكن وصفها بأنها أهم أدوات الصمود والمواجهة.
هي حقيقة ربما لم تغب عن أذهان أصحاب قرارنا التنفيذي من حيث المبدأ، ولا نعتقد أن ثمة اختلافاً في الرأي حول شكلها العام، لكن للتفاصيل “شياطينها” التي لا بد من الصدام معها في هذا الشأن، لأننا أمام مسألة جديرة بالتصنيف في خانة “هام ومصيري”، بعد أن أمسينا في موقف ليس على ما يرام، يبدو جلياً عند نقاط التماس بين المسارين الاقتصادي والاجتماعي في مضمار اصطلحنا على تسميته المضمار التنموي.
ولا نظن أن في الإشارة إلى حقيقة الارتباك الحكومي الظاهرة لمن يرغب بالتحري والمتابعة بعين الراصد، أي انتقاص من أهمية ما يجري تسريبه أو البوح به حول الجهود المبذولة لإعادة إنعاش اقتصادنا المثخن بالجراح وبالتالي تلمس مطارح الوجع الاجتماعي، فللواقع إملاءاته التي تفرض نفسها بقسوة أحياناً وتخلط أوراق الأجندة الحكومية، وعلينا أن نلتمس الأعذار لأنفسنا لكن دون أن يغيب عنّا أننا نقف إزاء استحقاقات ملحة وليست ضروب رفاه اجتماعي.
والواضح بجلاء أننا أثقلنا أنفسنا بالتخطيط لمشاريع من الوزن الثقيل، بدا الرجل التنفيذي قد تورّط في دوامة من التناقض وهو يتحدّث عنها، لأن خصوصية الظرف تحتاج إلى كلام مختلف وتفكير آخر يفضي إلى خلاصات أبسط بكثير مما صغناه كمخارج لعسرتنا الاقتصادية والاجتماعية، وكان يكفينا أن نحاول النجاح في التقاط هوية المطارح التي تحتضن الحل الإسعافي الأسرع لمشكلة اقتصاد ومواطن.
ولعله من الطبيعي هنا أن نذهب باتجاه أقصر سبل الإنقاذ المتمثّل بالمشاريع الصغيرة والأصغر.. وقد ذهبت حكومتنا في هكذا اتجاه لكنها، وبعد سنوات من النشاط المزعوم، لم توفق بإسقاطات حقيقية على الأرض، وإن كانت العبرة بالنتائج حقاً، فسنكون أمام مشكلة حقيقية لا بد من تشخيص أسبابها فوراً وسريعاً لأن الوقت لا ينتظر.
فمن المريب جداً إصرار حكومتنا على زعم توجيه عنايتها الفائقة نحو المشاريع المتوسطة والصغيرة دون التوافق على تعريفٍ واضح لكل منهما.. والمريب أكثر هو الربط بين المتوسط والصغير، فهل لدينا صناعة ثقيلة لنحاول الاستدراك بدعم الأخرى المتوسطة؟؟.
أليست معظم الصناعة السورية تحويلية بهويتها متوسطة بحجم توظيفاتها الرأسمالية.. فلما الحديث عن ربط دعم هذا النوع بالنوع الآخر الصغير والأصغر؟؟.
أليست الأولوية للمشاريع الفردية الصغيرة والأفضل لمتناهية الصغر لأنها التجلّي الأبرز لتوجهات التنمية الأفقية.. فلماذا أضاعت حكومتنا البوصلة هنا عند هذه الحيثية الأساسية؟.
لن نزيد من تساؤلاتنا التي نؤكد أنها تصويبية وليست تهكمية لأن الظرف لا يحتمل التهكم وتصيد الأخطاء.. وسنقترح فكرة لا تكلف مالاً ولا تحتاج إلى مزيد من الهياكل التنفيذية التي باتت مقصودة لذاتها، فقد يكفي الحكومة إنجازاً أن تبلور فريق خبراء يؤسس لـ”بنك فرص” قوامه كمٌّ وافيٌ من دراسات الجدوى للمشاريع الصغيرة والميكروية، تأخذ بالحسبان خصوصية كل منطقة والميزات النسبية والمطلقة التي تحتضنها، ومن ثم توزيع الفرص أو الأفكار على نطاق واسع..
فالحقيقة التي غابت عنّا، ونحن ندرس ونخطط لتنميتنا الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي، هي أن ما ينقصنا ليس المال الذي يؤرق الرواق التنفيذي، بل فكرة المشروع التي تغيب عن أذهان أعداد كبيرة من حائزي الكتل النقدية الصغيرة “من1 حتى 3 مليون ليرة” والباحثين عن مطرح استثماري يحقق لهم الجدوى.
هذا حل إسعافي مطلوب على جناح السرعة.. وإذا كان لا بد من بصمة عملية-ميدانية للحكومة، فلتكن في تأسيس منظومة تسويقية محلية وتصديرية لمخرجات هذه المشاريع، ولا بأس أن نبدأ من الآن وحسبنا أن ننجح في الوقت المناسب.
نــاظــم عـيـد