line1مساحة حرة

الحكومة ومسألة «عدم الإنتاج»

لم يطل انتظار تشكيل الحكومة، فقد أتى في أوانه المحدد كاستحقاق دستوري أولاً، وكمطلب شعبي ثانياً. وهذا من البوادر الواعدة.

فقد نال أداء الحكومة السابقة من النقد بمقدار يعادل «الآمال الكبيرة التي يعلّقها المواطن على الحكومة الجديدة» كما استهلّ السيد الرئيس حديثه في اجتماعه مع الحكومة أول أمس.

في الواقع كان المواطنون يترقّبون باهتمام حديث سيادة الرئيس وتوجيهاته إلى الحكومة في هذه الظروف التي لم يعد ينقصهم فيها العرض السياسي، فقد أصبح المواطن السوري سياسياً بامتياز، مشبعاً بالتحليلات السياسية، بل متخماً بها. لذلك كان يرنو مسبقاً إلى حديث يلامس همومه الشخصية بعد أن أذهل العالم بصموده خلف جيشه وقائده، وبتفانيه في سبيل قضايا الوطن ومصالح الشعب والأمة.

فأتى حديث السيد الرئيس وتوجيهاته في هذا السياق المطلوب والمرتقب مركّزاً بشدة ودقة على شجون المواطن وهمومه انطلاقاً من أن هذا التركيز يحصّن الوطن ويعزز  حضور مؤسساته ويغني دورها.

وللحقيقة فالمتابع للموضوعات الأكثر قراءة من قبل المواطنين يجد بوضوح أن صفحات المحلّيات والاقتصاد والخدمات في الصحف والمواقع أكثر جذباً للقرّاء من الصفحات الإخبارية والسياسية والدراسات، ولهذا مسوغاته، ومبرراته أيضاً لأن المواطن يتطلّع إلى الوضع المعيشي المعقول الذي يعزز دوره الوطني ويعلي من شأن قدرته على الإسهام في مواجهة العدوان على بلاده. وقد يكون من هذا القبيل أن نسبة التغيير في الحكومة كانت في الجانب الخدمي أكبر من السياسي.

ومن اللافت في هذا الحديث التركيز على أهمية الإعلام في الجانب الخدمي أكثر من الجانب السياسي، ولهذا مبررات وطنية واضحة من أهمها تعزيز صمود الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة الذي يفضي بالمحصّلة إلى القوة السياسية والعسكرية اللازمة، فكان التوجه بـ«ألاّ تكون المؤسسات الإعلامية الوطنية ناطقة باسم الحكومة فقط، بل تهتم بقضايا المواطنين وتلامس همومهم».

إنه كلام مهم يستدعي ويستتبع التفكير بالصفة “الوطنية” للخطاب الإعلامي، وهذا ليس متفقاً عليه تماماً، كما أنه يثير إشكالية لطالما عانت منها المؤسسات الإعلامية التي يتنازع خطابها ضرورة حضور الجانب النقدي لأداء المؤسسات الحكوميّة بخطوط حمراء تتبدد مع تحقق ثنائية الوعي والانتماء من جهة، ومن جهة ثانية تقدير الإعلامي الوطني لاستهداف مؤسسات الدولة الوطنية في ظروف الحرب الصعبة جداً، مع لحظ أن بعض المسؤولين رأى في الأزمة مشجباً لتعليق أو تسويغ الخلل والتراخي والمحاسبة.

وفي سياق متصل فقد ورد في الحديث أهمية «ألّا يبقى الوزير دون مساءلة، وألّا يتحوّل النواب إلى مسائلين لدوافع شخصية» وذلك في إطار التركيز على العلاقة بين الحكومة ومؤسسات الدولة وخاصة مجلس الشعب. إذ اهتم المواطنون كثيراً بطرح قضية المساءلة هذه، ورأى بعضهم أنها توجيه، ورأى آخرون أنها تشخيص لمرض سابق، وقد تكون علاجاً كي لا يبقى هذا المرض مزمناً.

وفي السياق نفسه يترقّب المواطنون مواكبة إقرار لجان مجلس الشعب والزيادة فيها، لإقرار الحكومة أمس مجموعات عمل عديدة متخصصة ودائمة. وهم لاشك سيتابعون منعكسات عمل هذه اللجان والمجموعات.

علماً أن حديث «اللجان» ذو شجون في تاريخ نظريات الإدارة، وهذا مايفرض تحدّياً يجب تجاوزه بالحوار الجاد في بلاد مثل سورية صار يُعرف فيها مضار ومنافع توسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار. والمنطق نفسه ينسحب على دور مؤسسات التدخل الإيجابي؟!.

ولعل الأهم في هذا الحديث – ولكلّ ما يهمّه – اعتبار «عدم الإنتاج شكلاً من أشكال الفساد»، فالإنتاج حضور ومقياس ورائز للفرد وللمؤسسة وللمجتمع وللدولة، وأشكاله الواعدة عديدة منها المادي الملموس، والمعنوي الهادف، وهو أداء وفكر. هو حياة نقيض البطالة والعطالة والموت.

ومن يتذكّرْ تولستوي صاحب رواية «الحرب والسلام» يذكرْ رأيه الساطع: البطالة بداية كل الشرور. والحقيقة أن «دعم الصناعات المتوسطة والصغيرة والصناعة الزراعية» يسهم في القضاء على البطالة، وعلى التستّر على عدم الإنتاج.

 

د. عبد اللطيف عمران