مساحة حرة

“غروزني” ومأزق الوهابية

عادة لا ندخل في أدبيات البعث، سجال حول المسائل الدينية، ولطالما تجنبنا الانتصار لرأي ما في مسائل الخلاف العديدة في هذا الاتجاه لأن الطابع الأبر لحزبنا هو العلمانية، والعلمانية، في مجتمعات فسيفسائية التكوين كمجتمعنا، هي نظير الوطنية. علما أن لحزبنا موقفا إيجابيا من الحضارة العربية الإسلامية.

بالمقابل، حزبنا هو حزب جماهير الشعب بالدرجة الأولى، فالطابع الجماهيري له هو الأساس والهدف قبل الطابع التنظيمي أو المنظماتي، إن صحت التسمية. لكن في هذه الأيام بدأ الواقع يفرض نفسه، وعلى الحزب الجماهيري أن يدخل بدقة في تفاصل الواقع اليويمي، وفي معترك الحياة بكافة ميادينها، وعليه أن يتصدى لمختلف أنواع التحديات، ولطالما فعل ذلك، وكان في الوقت نفسه ينأى عن تسمية الأشياء بمسمياتها ولاسيما البغيضة منها كالمذهبية والعرقية وغيرهما.

مؤخرا عقد في غروزني عاصمة الجمهورية الشيشانية المسلمة المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين بين 25 – 27 آب وكان الهدف منه كما ورد في بيانه الختامي “رفض الصراعات السياسية بين أبناء المجتمعات الإسلامية”. وشارك فيه علماء أفاضل من بلدان إسلامية عديدة بينهم علماء كبار من سورية. ولم يرد فيه ما ينص صراحة على مخاطر الوهابية. لكن الوهابية السعودية جن جنونها لأنها رأت في هذا المؤتمر صدى لوعي عربي وإسلامي ودولي جديد بدأ يتسع مركزا على المخاطر المحدقة بالمجتمع الدولي المعاصر النابعة من الإرهاب التكفيري الجوال العابر للحدود.

عكس مؤتمر غروزني قناعات أغلب شعوب الأرض التي تحمل السعودية الوهابية أو الوهابيةا لسعودية مسؤولية نشر الأحقاد والبغضاء ونزيف الدم في ليبيا واليمن وسورية والعراق… إلخ، فبدأت الشعوب الإسلامية والعربية معها تشعر بالحاجة الماسة إلى قطع الجذور الإيديولوجية للإرهاب، هذه الجذور التي تغذيها مملكة ابن سعود كسلطة، ومملكة آل الشيخ كمرجعية شرعية من خلال علاقة قران بين “الزعيم والشرعي” كسائر التنظيمات الإرهابية.

والسؤال الأهم هنا لماذا لم تكن التغطية الإعلامية الخليجية والوهابية منها ضخمة بحجم الجنون الذي ذكرناه؟ لاشك كان الانكفاء الإعلامي تعبيرا عن شعور مسبق بالخسارة بل بالفضيحة التي ستنجم عن كشف خفايا الأمور التي صار أغلبها مكشوفا، ولاسيما أن الوطنيين والعروبيين في الوطن العربي باتوا على قناعة بخطر الوهابية على الهوية الوطنية والعربية. كما أن أغلب الشعوب الإسلامية باتت أيضا على قناعة بمخاطر الإرهاب الوهابي السعودي على الدول والمجتمعات الإسلامية. وخير دليل على ذلك الهجوم الشرس الذي شنه ما يسمى بهيئة العلماء المسلمين في السعودية على الأزهر الشريف، وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقالت مثلا: “… ولتذهب مصر السيسي إلى الجحيم..”.

في عالم اليوم تكثر الأبحاث في الشرق والغرب التي تشخص واقع المملكة الوهابية وبنيتها القائمة على الدعامات الثلاث: الوهابية – العائلة السعودية – البترودولار، وصار من المسلم به أن المملكة الوهابية أنتجب القاعدة ومدارس طالبان، وبوكوحرام وداعش. والمسألة الكارثية في هذا الإنتاج هي الطاقة الكافية ماليا لتصديره إلى الخارج، خاصة بعد أن اندمجت المؤسسة الوهابية في مؤسسات الدولة وتحولت “الدعوة” إلى مقرر تعليمي. وسيطر أتباعها على التعليم والمساجد والمحاكم والسلوك العام المحدد للفرد والمجتمع ولاسيما المرأة. فإذا ما نجح تعميم آثار هذا الثالوث، وذلك بالاندماج فإننا أمام ظلامية تنذر بمصير مأساوي للأمتين العربية والإسلامية. فالسعودية توطد اليوم ثالوثا آخر محرما يرتبط فيه: المال، بالعنف والجنس، حيث الإنفاق الكبير على القتل والتدمير، وعلى التغرير باليافعين ودفعهم إلى الموت طمعا بالحور العين أو رغبة بجهاد النكاح.

لقد تحسس العلماء المجتمعون في غروزني، وغيرهم كثر ضرورة التشكيك في ادعاء السعودية بقدرتها على قيادة الإسلام والمسلمين، فكان من الأهمية البدء في مسار جديد يفضي إلى سحب البساط من تحت المرجعية السعودية الوهابية، ثم إلى عزلها بعد أن تأكد أن إنفاقها في العقود الأربعة الأخيرة أكثر من 10 تريليون دولار على العبث بالإسلام التاريخي المحمدي ليحل محله التطرف، فالتكفير، فالإرهاب.

وهناك اليوم رأي عام عالمي بدأت تترسخ فيه أهمية المؤشرات التي تبرهن على مخاطر الوهابية على المجتمعات الوطنية والعربية والإنسانية عامة، هذا الرأي العام طالما أشار بعض المهتمين فيه إلى دور سورية البارز في التصدي لهذه المخاطر من خلال توضيح أن “الايديولوجيا الوهابية تشكل أساس كل إرهاب في العالم، كما أوضح القائد بشار الأسد في حديثه لصحيفة إكسبريس السويدية يوم 17/4/2015.

د. عبد اللطيف عمران