مساحة حرة

تحديات الإنترنت أمام اللغة العربية

لقد حذرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) من المخاطر التي تهدد اللغة العربية ، ودعونا نعترف أن اللغة العربية تواجه مشكلة كبيرة وتحدياً عظيماً أمام كمية المصطلحات المتراكمة المرتبطة بأنماط الاتصال الجديدة عبر شبكة الإنترنت ، فنقرأ عربية لا نعرفها مثل فوتوشوب ، الفجول بسك ، جافا، فلاش ، الاتش تي ام ال ، ماسنجر ، سكريبتات ، يوتيوب…الخ.
وهي مصطلحات تعكس ضعف وتهافت العربية وثقافتها في فضاء الإنترنت رغم كل الضجة التي نسمعها في وسائل الإعلام ، من مزاعم تبشر بزيادة انتشار اللغة العربية على الإنترنت ، ولكنه تزايد لا يتناسب أبداً مع حجم الناطقين بالعربية ، ولا مع مكانة الثقافة العربية وتاريخها ، فما زالت الجهود غير كافية ، وهي خالصة حيث يسيطر عليها الطابع التجاري! ولعل نقطه الخلل الرئيسية في المعلوماتية العربية تكمن في نقص الإبداع المعرفي والإنتاج الفكري لدى الباحثين العلميين والأدباء والمفكرين داخل بلاد العرب ، الأمر الذي أدى إلى مواصلة اعتماد العرب على المعلومات العلمية والثقافية التي تنتجها مراكز البحث الأوروبية والأمريكية ، ونقل فكر الآخرين وتقديمه إلى المستفيد العربي دون أن يكون العطاء العلمي العربي بنفس القدر ، هذا مع عزوف الباحثين العرب عن الكتابة بلغة الضاد وتفضيل كتابة أبحاثهم ومؤلفاتهم باللغة الأجنبية ، سعياً منهم للتواصل مع المجتمع العلمي الدولي ومع المثقفين في أوروبا وأمريكا ، مع عدم اقتناع المؤلفين والباحثين بقدرة اللغة العربية على تأمين التواصل المعرفي ، كما أن المناخ العلمي والفكري في العالم العربي لا يشجع على الابتكار والإنتاج الفكري.
إن المحاولات التي تبذل الآن ومنذ عدة سنوات حول تعريب نطاقات أسماء المواقع ، أزعم أنها جهود مظهرية لا تصل إلى جوهر المشكلة ، ألا وهو حضور المحتوى العربي على الإنترنت ، ويذكرني ذلك بما تفعله دول عربية عديدة حين تستورد طائرات الركاب الحديثة ، وتدهن جسم الطائرة بلون العلم الوطني وتكتب عليه بالعربية الشعار الإسلامي للبلد ، وتكتشف حين تركب الطائرة أن طاقم قيادتها ومضيفيها كلهم من الأجانب.
والسؤال الأهم كيف توقف الإنترنت في خدمه اللغة العربية وثقافتها ، وليس العكس؟ ما فائدة أن يكون عنوان الموقع بالعربية ، ومحتوى الموقع بالإنجليزية أو غيرها من اللغات الأساسية ، وأزعم بجانب أهمية زيادة المحتوى العربي على الإنترنت فإن السعي والجهد في إنتاج وإبداع برامج ومواقع تترجم من وإلى العربية مع لغات العالم المنتشرة على الإنترنت ، هي الطريقة الأفضل في جعل الإنترنت عربياً ، فالمشكلة ليست في طبيعة و إمكانيات اللغة العربية ، فهي صمدت لأكثر من 15 قرناً ، وتستطيع أن تستوعب كل مستحدث ، لكن المشكلة في العرب الناطقين بالعربية ، فتاريخنا يدور في نفس الساقية التي يجرها ثور أعمى ويعيد نفسه في كل دورة! نفس الهزائم ، نفس القهر ، نفس القمع! نفس القضايا ! نفس التخلف! لماذا يملك أعدائنا أسباب القوة؟! ونحن قابعون في استكانة.
ندعو الله بتقطيعهم تقطيعاً؟! إذا كنا لا نزرع ، ولا نصنع ، ولا نعمل ، ولا نبدع ، ولا نشارك في صنع حضارة العصر! فمن أين يأتي المحتوى العربي على الإنترنت ، وكيف تنتشر ثقافة العربية في فضاء المعلومات؟!
إن حضور اللغة العربية وثقافتها في فضاء المعلومات مرتبط تماماً بإصلاح وتحديث المنظومة العربية سياسياً وثقافياً واجتماعياً.

رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي