مساحة حرة

الرئيس الأمريكي المنتخب.. والمشكلة السورية؟

لم يكن مفاجئاً النجاح الكاسح لـ ” ترامب ” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فحسب، بقدر ماشكّل ضربة قوية للتوقعات واستطلاعات الرأي التي اعتمدها الإعلام الأمريكي والغربي عموماً، حتى وصل إلى حد التأكيد المطلق في بعض وسائل الإعلام التي عنونت غلافها بصورة كبيرة للعجوز المنهزمة ” هيلاري كلنتون ” كرئيسة قادمة للولايات المتحدة الأمريكية ” مجلة نيوزويك ” التي اضطرت لسحب أعدادها من السوق بطريقة مذلة ومخجلة مع اعتذار مضحك مبكي لمتابعيها، وكذلك حصل مع شقيقتها مجلة ” الايكونوميست ” التي قدمت اعتذارا مهينا لقرائها، في حين تمكن الرئيس المنتخب من قلب التوقعات بحنكة ودهاء رافقها تحولات جوهرية في الوعود والالتزامات ساهمت بتحقيق فوزه، خاصة مع اللوبي الصهيوني عندما حضر المرشح ” ترامب ” إلى مقر ” الايباك ” وقال بالحرف الواحد : ” إن صداقتي مع إسرائيل هي الأقوى بين كل المرشحين ..وإن ابنتي متزوجة من يهودي وسيكون حفيدي يهودي.. ” هذا في شباط الماضي ؟ إضافة إلى تطمينات استراتيجية أخرى قدمها في تلك الجلسة، كهجومه العنيف على الاتفاق النووي مع إيران وغيرها من التكتيكات الانتخابية المؤثرة ..
الآن وبعد ان ضمن ” ترامب ” مقعده في البيت الأبيض الأمريكي لمدة أربع سنوات قادمة إلا إذا حصل أمرٌ ليس في الحسبان، السؤال الذي يهمنا كسوريين هو : ما هي الاستراتيجية التي سيعتمدها الرئيس المنتخب مع الحرب على سورية ؟ وهل سيستمر في ذات الدور القذر الذي اعتمدته إدارة ” أوباما ” في قيادتها لمجريات الحرب على سورية وتوجيهها عبر غرف العمليات السوداء لتدمير سورية الدولة والمؤسسات وإفقار الشعب الذي يحمل ثقافة المقاومة في فكره ووجدانه، وذلك من خلال ما قدمته الإدارة المريكية من دعم لأدواتها التي صنعتها ورعتها وحافظت على استمراريتها ممثلة بتنظيمي ” داعش وجبهة النصرة( فتح الشام ) ” الإرهابيين وبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى المنضوية تحت لوائهما، سواء اعتبرتها ” معتدلة ” أم غير ذلك فهي بمجملها تنظيمات إرهابية خارجة عن القانون والواقع ؟
في كل الأحوال إن نجاح المرشح ” ترامب ” هو بحد ذاته نافذة أمل ضيقة بتعديل بعض مفاصل الإستراتيجية الأمريكية جزئياً، وليس في تغييرها كلياً، حيث يقول ” هنري كيسنجر ” وزير خارجية أمريكا الأسبق في حديثه عن ظاهرة ترامب : ” إن الاستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية ممكنة في حال كان الرئيس الأمريكي واضحاً مع الجمهور بشأن فلسفته لهذه السياسة التي قد لا تكون مطابقة لسياساتنا السابقة، لكنها تتشارك معها في الأهداف الأساسية ..”، وربما يؤيد رؤيتنا هذه ما تم استنتاجه من بعض التصريحات التي أطلقها الرئيس المنتخب في خطاب النصر وكانت تحمل بعض الشحنات الايجابية المؤثرة في العلاقات الدولية وأساليب التعامل معها ومنها الحرب على سورية، كأولوية محاربة داعش والقضاء عليها، وضرورة التعاون مع الروس لحل المشاكل الدولية ومنها السورية .
إن مطالبة الرئيس الامريكي الذي قاربت ولايته على نهايتها ” باراك أوباما ” لوزارة الدفاع الأمريكية بتعقب وقتل قادة تنظيم ” جبهة النصرة ” الإرهابية، واعتبارها كمنظمة إرهابية فعلياً ليس على الورق فقط في هذا الوقت بالذات، هو لتبييض صفحة إدارته التي كانت تحمي جبهة النصرة وتحول دون ضربها من قبل الروس بحجة اتحادها مع ” المعارضة المسلحة المعتدلة “، في حين كان الروس يُطالبون الأمريكان بضرورة الفصل بين ” معتدليهم ” وبين جبهة النصرة ليتم معاملتها كداعش، وكان هذا الطلب يلقى التجاهل من قبل الأمريكان لأنه لا يمكن الفصل حيث لا يوجد ما يسمونه ” معارضة معتدلة ” على الأرض .
في النتيجة نرى بأن نجاح ترامب هو فرصة جيدة لتحييد المنطقة والعالم عن حرب عالمية غير مرغوب بها، وفتح بوابة مناسبة لتغليب صوت السياسة على صورة النار التي إن اندلعت لن ينجى من لهيبها احد، ونؤكد في الوقت ذاته على ان السياسة الخارجية الامريكية لم ولن تكون في يوم الأيام لا سابقاً ولا مستقبلاً لصالح قضايانا العربية او لصالح القضية السورية في مواجهة الإرهاب الدولي ، وإن ما يخدم قضيتنا الأساسية هو مدى قدرتنا على تحصين مجتمعاتنا فكرياً واقتصادياً، وبناء مؤسساتنا الوطنية على مرتكزات علمية وأخلاقية بشكلٍ يجعلها هي العامل الضامن الأساسي لحاضر ومستقبل الوطن والأمة، وخاصة العناية الكبيرة بمؤسسة الجيش العربي السوري الذي يُشكل الحصن الآمن لمستقبل الأمة ومصيرها المهدد باستمرار بعواصف الأطماع الاستعمارية الصهيو – أمريكية، وقد أثبت الجيش العربي السوري بالتنسيق والتعاون مع الحلفاء قدرة خارقة في مواجهة آلة الحرب الحديثة التي اعتمدها الغرب الاستعماري، ممثلة بالتنظيمات الإرهابية المتنوعة بالوكالة عن جيوشه التي هُزمت سابقاً وفشلت في تحقيق فكرة الاستعمار المباشر، وقد أثبت الجيش العربي السوري الباسل بانه سيد الجغرافية وصاحب الأرض، بالرغم من التضحيات الغالية التي قدمها، من اجل الحفاظ على سورية واحدة موحدة أرضا وشعباً ..

محمد عبد الكريم مصطفى