مساحة حرة

ديمستورا في معاداة الحقيقة؟

لم ياتِ الموفد الأممي ” ستيفان ديمستورا ” إلى سورية في زيارته الأخيرة حاملاً معه أية مبادرة جديدة تخدم تحقيق قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت باجماع دولي حول آلية إنهاء الحرب التي فُرضت على الشعب السوري، وخاصة القرار 2254 الذي أكد على ثوابت الدولة السورية ووحدتها واستقلالها وعلمانيتها، بينما جاء وفي جعبته خطة مقتبسة من مصادر العدوان على سورية تتضمن مشروع تخريب حلب أولاً وتسليمها إلى ” جبهة النصرة ” التنظيم المصنف دولياً كتنظيم إرهابي، معتمداً على أفكار شرعنة الإرهاب والتعامل معه كواقع يجب الاقرار به، متجاهلاً كونه مبعوث أممي تنحصر مهمته في العمل ضمن نطاق القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة، ليؤكد السيد ” ديمستورا ” رؤيتنا الراسخة ليس لعدم مصداقية نواياه فحسب، بل لمعاداته للحقيقة وتناقض سلوكياته مع موجبات مهمته.
إن الفخ الذي نصبه ” ديمستورا ” للحكومة السورية بمبادرته الخطيرة التي حاول تمريرها في ذروة إخفاق العصابات الإرهابية في شرق حلب، وقع هو في مصيدته حيث لاقت أفكاره صداً عنيفاً ورفضاً حاسماً ومباشراً من قبل دوائر القرار في دمشق، مذكرين الموفد الدولي بفشل المبادرات السابقة التي قبلتها والتزمت بها الحكومة السورية، وتم إجهاضها من قبل العصابات الإرهابية والدول الداعمة لها، ولم يكن مقترح ” ديمستورا ” الجديد إلا محاولة يائسة لانقاذ المجموعات الإرهابية التي تنتظر حتفها المحتم، وفرض واقع معين على الأرض يسمح بشرعنة المفاوضات مع الإرهابيين بحجة خروج ” جبهة النصرة ” من شرق حلب، ليصتطدم بالجدار السوري الصلب الرافض لأي شكل من أشكال الإدارة الذاتية تحت أي ظرف أو بأي شكل كان، حيث قال السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري في إشارة إلى ما طرحه ديمستورا : ” إن هذا الأمر مرفوض جملةً وتفصيلا، وتابع هل يُعقل أن تأتي الأمم المتحدة لمكافأة إرهابيين ما زالوا يُطلقون قذائف عشوائية على غرب حلب راح ضحيتها الآلاف من الشهداء ؟…” مع ترك بوابة ضيقة مقبولة للتسوية وفق الرؤية الروسية التي سبق ورفضتها الفصائل الإرهابية المتواجدة في احياء حلب الشرقية أثناء الهدنة الإنسانية الأخيرة التي وضعتها القيادة الروسية والسورية.
إن المتغيرات الدولية المتسارعة على الساحة العالمية ترخي بظلالها الثقيلة على مشغلي الإرهاب ومستثمريه، وقد ظهرت آثارها جلية بفوز ” ترامب ” بالانتخابات الأمريكية، وتلاها فوز ” فرانسوا فييون ” في الانتخابات التمهيدية بفرنسا بفارق كبير على منافسيه، وهناك مؤشر قوي على تعميم الترامبية في القارة العجوز والبداية من فرنسا والهزيمة المتوقعة ” لهولاند “، وبات يتردد في دول حلف الناتو أن نجاح ترامب شكل صدمة كبيرة لها، خاصة حول ما قاله أثناء حملته الانتخابية : ” إن حلف الناتو لم يعد مجدياً وأن على دول أوروبا الأطلسية أن تتحمل الأعباء المادية لحمايتها …” هذا بالنسبة لدول عريقة وكبيرة فكيف بالأتباع الأقزام الذين أخذوا يتلمسون رؤوسهم الحامية وخاصة في السعودية وقطر وتركيا ودورهم الأساسي في دعم ورعاية الإرهاب الدولي.
من الواضح أن المرحلة القادمة ستكون مختلفة كلياً ليس بخصوص الملف السوري فحسب، بل كذلك على ساحة المنطقة والعالم، ففي سورية تجاوزت دول القرار الفاعلة استراتيجياتها التقليدية، وبدأت بالبحث جدياً عن وسائل وآليات جديدة تنسجم مع الواقع الجدي وتتأقلم مع الانجازات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض بالتواقت مع التقدم الكبير للقوات العراقية وقوات الحشد الشعبي في محاربة الإرهاب وخاصة في مواجهة تنظيم ” داعش وجبهة النصرة ” الإرهابيين، وإن الأيام القادمة ستحمل الكثير من النجاحات على كافة الجبهات، تساهم بشكل مباشر في وضع عربة الحل السياسي على السكة الصحيحة وفق الرؤية الاستراتيجية التي طرحها السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه الهام في السادس من كانون الأول عام 2013، والتي تشكل إطارا موضوعيا لحل شامل ينسجم والقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
إن عملية تحرير كامل حلب وريفها أصبحت في مراحلها النهائية، وهي مجرد مسألة بعض الوقت، وسيكون لانتصارات حلب التي يحققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع الحلفاء دور فاعل وأساسي في إنجاز المصالحات الشاملة على مساحة الوطن السوري بحماية ورعاية القوات المسلحة السورية والحلفاء، وإن الطروحات التي تتسرب للإعلام من هنا وهناك حول مؤتمرات للمعارضة وغيرها من الأفكار هي مؤشر حتمي على فشل كل مشاريع التقسيم والتخريب في سورية، وهي صيحة إنقاذ لقبول الواقع والتعامل معه بموضوعية من قبل البعض الذين زرعوا آمال عريضة على آلة الحرب الامريكية بتسليمهم السلطة في سورية وحصدوا الفشل الذريع، وباتوا يلهثون خلف القليل من فتات السلطة بعيداً عن الأجندات الغربية المهزومة، بكل الأحوال الوطن يتسع للجميع مجرمين وشرفاء، المجرم مكانه الطبيعي السجن أو القطيعة من قبل المجتمع، والشرفاء مكانهم معززين مكرمين في مجتمعاتهم.

محمد عبد الكريم مصطفى