مساحة حرة

«مجموعة العمل» ومهبّ الريح

صار واضحاً اليوم أمام الرأي العام تلاشي ما كان يسمّى “مجموعة أصدقاء الشعب السوري” بمؤتمراتها ومؤامراتها العديدة التي انطلقت عام 2012. تبددت هذه المجموعة بعديدها الخائب الذي تجاوز 70 دولة، نظراً إلى تركيزها على التغيير السياسي وغضّ الطرف عن الإرهاب بما أفضى بالمحصلة إلى دعمه بأشكال عديدة.

بعد هذا الفشل والخيبة تم إنقاذ تلك المجموعة بمجموعة أخرى مختصرة دُعيت بـ”مجموعة دعم سورية” تأسست عام 2015 وضمت 23 دولة ومنظمة وعقدت عدة اجتماعات لم تسفر أيضاً عن أية نتائج تدعم المسار السياسي لحل الأزمة، لكن هذه المجموعة اضطرت وخاصّة بمشاركة روسيا إلى التركيز أكثر من سابقتها على محاربة الإرهاب… وكان في إطارها القراران الأمميان 2253 – 2254 اللذان انتهى سقفهما الزمني المحدد بستة أشهر وتجاوزتهما الأحداث في المنطقة والعالم ولاسيما جرّاء انتشار الإرهاب وتمدده في الأقطار العربية وتركيا وأوروبا الغربية.

بعد هذا أفلحت الدبلوماسية الروسية في التوصل إلى اتفاق مع واشنطن يرسم ملامح ناجحة للبدء بالمسار السياسي، لكن واشنطن لم تلتزم به، ولم تجرؤ حتى على الإعلان عن جوهره، وكان تصريح كيري بالأمس لافتاً في إعرابه عن أسفه لفشل هذا الاتفاق، معترفاً بأثر الانقسامات داخل الإدارة الأمريكية مؤكداً أن صدامه مع وزير الدفاع كارتر هو الذي حال دون تنفيذه.

استمرت نتائج صمود سورية، وبسالة جيشها، ووعي شعبها، ونجاح قيادتها السياسية في التصدي للمؤامرة على الشعب والوطن والأمة، وأثبت الرئيس الأسد أنه قادر على النجاح في محاربة “ممنوع قيام مشروع وطني عروبي في المنطقة” وكان الانتصار المدوّي في حلب الذي قال سيادته فيه: ما يحصل اليوم هو كتابة التاريخ.

إذن، مع فشل مجموعة الأصدقاء، ومجموعة الدعم، واتفاق موسكو وواشنطن، كان نجاحنا في ضرب الإرهاب، وقابله نجاح الإرهابيين على عدة مستويات خارج سورية بسبب المعايير المزدوجة في محاربة الإرهاب، ولعب عدد من دول مجموعة الأصدقاء بالنار واقتران ذلك بارتباك مسؤوليها وخجلهم وعريّهم أمام الأعمال الإرهابية. “هذه بضاعتكم رُدّت إليكم” فتأكدت مصداقية الموقف السوري بأن الإرهاب سيرتد على داعميه، وبأن الجماعات الإرهابية صارت داخل دول تلك “المجموعة” تياراً عصيّاً على الاحتواء.

صارت المجموعة في مهب الريح، وتأكد لها أن “الإرهابي عقرب” لا صديق له، وأنه لا ولن يمكن مواجهة الإرهاب مع تجاوز تجربة مؤسسات الدولة الوطنية السورية.

الواقع الميداني اليوم يفرض منطقياً رؤية أخرى جديدة ومجدية للمسار السياسي لا بد من التسليم بها وبأثر صمود سورية وشقّها بالتضحيات الجسام بداية طريق النصر المستمر والدائم على الإرهاب، ويبدو أن الإرهاب الذي نسير اليوم في طريق القضاء عليه لن يكون سهلاً على الآخرين مواجهته لا في الأردن ولا مصر ولا تركيا ولا أوروبا، بل بدأت أصابع الاتهام تشير إلى أثر دول الخليج في انتشاره، ولذلك سارع النظام التركي مضطراً إلى التماس سبيل للمخرج من هذه الأزمة المقلقة جداً.

فتأكد أن مجموعات الدعم المراوغة كانت تجربة غير مشجّعة، بل انعكست سلبياً على الداعمين الذين عجزوا عن القيام بأي دور في تنفيذ القرارات الأممية، وكان السبب الأساسي لهذا العجز هو التركيز الخائب على التغيير السياسي ما قاد إلى مزيد من الاضطراب والعبث واللعب بالنار.

وكان الاجتماع الثلاثي أمس في موسكو واعداً لأنه أنصت إلى منعكسات الصمود السوري، وإلى أن الضغوط الخليجية والأطلسية عاجزة تماماً عن تشويه الحقائق والوقائع، فكان ولا بد من الانتقال إلى الضفة الأخرى وهي أولوية مكافحة الإرهاب.

وبمجرد الإعلان عن هذا الاجتماع سارعت الأمم المتحدة مضطرّة إلى الإعلان عن موعد استئناف الحوار السوري السوري في 8 شباط القادم، وعن إرسال مراقبين أمميين إلى حلب مع الإقرار بسيادة الجمهورية العربية السورية وباستقلالها ووحدة أراضيها، إعلاناً هزّ العصابات الإرهابية وداعميها.

اجتماع موسكو أمس حصيلة لما سبق، فتجاوز منطقياً وواقعياً مسألة الانتقال السياسي، وسلّمت فيه تركيا بإضافة محاربة النصرة إلى داعش، وتفهّم المجتمعون وغيرهم ضرورة ألّا يكون الانعطاف التركي سريعاً وحاداً، لأن تركيا تئنُّ، وغداً قد تصرخ، وهي لا تستطيع الفرار من تبعات اغتيال السفير الروسي، اغتيالاً تعالت فيه موسكو بكبرياء ووعي على الجراح.

والاجتماع الثلاثي وما سينتج عنه قد لا يكون مساراً ثانياً، أو بديلاً، لكننا بالتأكيد سنمضي بموجبه أكثر قوة في كافة المسارات القادمة، فقد فرض الصمود على الأرض وقائع لا يستطيع الغرب دفع ضريبة تجاهلها، وصار واضحاً أنه لا رهان مجدياً على الغرب الذي يفكر اليوم بتقليص احتفالات الميلاد في وقت نوسّعها في حلب… ولطالما كررنا سابقاً بتفاؤل: إن غداً لناظره قريب.

د. عبد اللطيف عمران