مساحة حرة

كيف كشف مؤتمر الأستانة حقيقة النوايا الأمريكية؟

منذ بدايات الحديث عن مؤتمر الأستانة الذي لا ينظر لأمريكا كطرف فيه، شكك البعض في نجاحه، في حين ذهب البعض للتساؤل فيما اذا كان الحل السياسي سيحدث من دون العودة للأمم المتحدة والخضوع لها وللإملاءات الأمريكية التي تديرها بشكل غير مباشر.

تكمن المخاوف في حال كان مؤتمر الإستانة خطوة تمهيدية لاستئناف مؤتمر جنيف تحت رعاية دولية، بحيث تكون الأمم المتحدة هي المرجعية العليا التي لا ينفذ أي قرار بدون المرور عبرها لنعود بذلك إلى حيث بدأنا، حيث سيتجدد الصدام بين الدول المعنية بالأزمة السورية لا سيما أصحاب المصالح ، ولكن متغيرات جديدة ستدخل على المعادلة الراهنة لربما ستقلب الطاولة على رأس الأمم المتحدة أهمها أن روسيا تولت حل الأزمة سياسياً يتبعها حلف كبير دولياً وإقليمياً، وكذلك إن هناك إدارة أمريكية جديدة قادمة لديها ما يسمى( هوس البيزنس) مما يبشر بأنها عقلانية تجاه الخوض أو الاستمرار في خوض الأزمات المكلفة اقتصادياً لعل الواقع العملي الذي يحكم المسارات كافة مبعث الخوف من الرجوع لنقطة الصفر، فعلى سبيل المثال ربطت “هيئة التنسيق…لقوى التغيير “الديمقراطي” مشاركتها بمؤتمر الاستانة بمعرفة الهدف من المؤتمر، إن كان بديلاً عن مفاوضات جنيف وبيان جنيف1، أم أنه تمهيد لتنفيذ بيان جنيف، مؤكدة رفضها أي مؤتمر أو لقاء يقطع الطريق على تنفيذ بيان جنيف الأول، ويهدف إلى إلغاء «الهيئة العليا للمفاوضات ” والوفد التفاوض.

وللتنويه فقد ساد بعد خسارة حلب التي راهن الطرف الأمريكي عليها نوعاً من التسليم للدور الروسي والانزعاج منه بنفس الوقت، والمقصود هنا بالانزعاج هو إغفال إعلان موسكو، والعدوة الثلاثية لمؤتمر الإستانة للدور الأمريكي الذي تم وصفه بقليل الأثر إذ أنه لم يأتي بأي بنتيجة ناهيك عن التناقض الذي يعتري سياساتها، ففي حين تدعم المسلحين مالياً وعسكرياً، فإنها لا تمتلك المقدرة للتأثير على أدواتها التابعة لها في الداخل السوري خصوصاً والمنطقة العربية عموماً وفق ما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للصحفيين عندما قال: «نأمل أن نتحدث بشكل تفصيلي مع من يستطيع بالفعل التأثير نحو تحسن الوضع على الأرض، في ظروف يمارس بها الشركاء الغربيون الخطابات والدعاية ولا يؤثرون على من يستمع لهم» وهذا ما انتقده الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي نيوت غينغريتش قائلاً:أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ومقره الانتقالي يعتبران أن غياب واشنطن عن المحادثات الثلاثية حول سورية في موسكو يعتبر “فشلاً واضحاً وذريعاً لسياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية في الشرق الأوسط”، وفيما بعد جاء اغتيال السفير الروسي كحدث كان من المخطط له أنّ يؤثر على اتفاق روسيا – تركيا بخصوص سوريا، فتركيا استمرت وما زالت تتظاهر بالثبات على إكمال المسيرة – لا سيما بعد أن أمِنت من الشبح الكردي جزئياً أو بالأحرى ستأمن بالمستقبل- ليتّضح بذلك هوية الساعي لتدمير هذه المحاولة التي تنتزع زمام المبادرة من الغرب إلى الشرق، والدليل القاطع تجلّى في مسارعة ديمستورا المؤدلج أمريكياً بنفس الوقت إلى إعلان مؤتمر الإستانة لإعلان استئناف المباحثات في جنيف خلال الفترة القادمة، وهذا ما يمكن ترجمته أنّه محاولة دولية لإفشال مؤتمر الإستانة لنخرج بنتيجة مفادها أنّ الطرف الغربي ممثلاً بأمريكا هو وراء مقتل السفير الروسي ، فهذا من جهة ، ومن جهة ثانية سارعت اسرائيل في هذه الأثناء إلى الإعلان عن استمرار دعمها للمسلحين داخل سوريا لتثبت بالدليل محاولات الخارج لإفشال هذا المؤتمر التي من المؤكد ستصطدم بالدب الأبيض الروسي.

تفاقم المأزق الأميركي في الأونة الأخيرة لعدّة أسباب كان أبرزها اندفاع الدولة السورية وحلفائها في حلب نحو عمل سياسي مبني على فكرة وقف إطلاق النار في كامل سورية، وكذلك الدخول في عملية سياسية مبنية على ثوابت سورية واضحة تتمثل بوحدة سورية ارضا وشعباً، والتمسك بالدولة ونظام الحكم العلماني مع التأكيد على السيادة والقرار المستقل للشعب السوري، بالإضافة إلى أن كلّاً من إعلان موسكو ومؤتمر الإستانة يتناقضان في الجوهر مع الخطة العدوانية الأميركية، ويخرجانها من سوريا التي حاولت الإدارة الأمريكية أن تكون منطقة نفوذ لها، لتفوز روسيا بهذه الورقة الرابحة، وهذا ما يصعب على الإدارة الأمريكية التي كشفت مصداقية هذه الفكرة ، وأفصحت عمّا يدور في عقول قاداتها ومؤسساتها عندما أعلنت عن تقديم أسلحة متطورة للإرهابيين في سوريا؛ الأمر الذي يزيد الأوضاع تعاسةً، حيث كان الإعلان عن تسليح من تسميهم الأرهابيين بسلاح مضاد للطائرات ليكون تعويضاً عن فشل محاولات إقامة مناطق الحظر الجوي بعد العجز في مجلس الامن عن قرار بذلك وبعد متغيرات الميدان السوري وزرعه بمنظومات ال اس 200 واس 300 واس 400 الروسية ، في المقابل كان التسليح الأمريكي قائماً منذ بداية الأزمة، حيث أطلقت إدارة أوباما خلال العامين الماضيين برنامجاً خصصت له دعاية كبيرة وأموالاً طائلة تصل إلى 500 مليون دولار لتدريب وتسليح الإرهابيين في سورية الذين تطلق عليهم تسمية “المعارضة المعتدلة” غير أن برنامجها هذا تعرض لانتكاسة كبيرة مع مقتل بعضهم وانضمام الآخرين إلى تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين ونقلهم الأسلحة الأمريكية التي بحوزتهم اليهما.

رغم إعلان بوتين أنه لن يتم تجاهل أمريكا والأمم المتحدة خلال الفترة القادمة فما يخص الحل السياسي للأزمة السياسية السورية ‘ إلا أنّه لم ينجح جعلهم يتلزمون بالقانون الدولي الذي يتشدقون ويتغنون به، إذ قامت إدارة باراك أوباما التي تبقّى لها ثواني معدودة بمواصلة دعم وتسليح التنظيمات الإرهابية في سورية، في وقت تم الإعلان فيه عن مؤتمر الأستانة الذي يعول عليه البعض بالخروج بحل سياسي، المؤتمر الذي تحضّر له روسيا وتركيا وتقومان باتصالات واسعة مع قيادات “المعارضة” لا سيما المسلحة في محاولة منها لتوحيد صفوفها في وسط تعاون تام من قبل الحكومة السورية ضمن شروط تضمن سيادة واستقلال سوريا شعباً وأرضاً وقيادةً، حيث أقدمت إدارة أوباما على تصديق مشروع قانون النفقات الدفاعية الذي يتضمن بنداً لتسليح تلك التنظيمات وتزويدها بصواريخ محمولة مضادة للطائرات، وذلك بعد رفع اوباما في الـ 9 من الشهر الجاري القيود الشكلية عن تسليم أسلحة ومعدات عسكرية إلى هذه التنظيمات في سورية، لنخرج بنتيجة مفادها أن نجاح مؤتمر الأستانة بالخروج بحل سياسي للأزمة السورية سيأخذ أحد مسارين أولهما توقف أمريكا وأدوادتها عن إمداد الإرهابيين بالأسلحة التي تعبّر بهذا التصرف عن عدم الرضا إزاء إقتسام مناطق النفوذ في المنطقة العربية لا سيما ظل التنافس مع روسيا والصين وإيران، وثانياً لربما قد يتشكل تكتل دولي بقيادة روسي موسع أكثر من دول مؤتمر الأستانة لوضع حد لنهاية الأزمة السورية بالاستفادة من الإدارة الأمريكية القادمة خصوصاً بعد إعلان ترامب الرئيس القادم في 29 الشهر الجاري أنه سيلغي الكثير من المراسيم والقرارات التي إتخذتها إدارة إوباما.

خاص البعث ميديا|| أ. ساعود ساعود