مساحة حرة

هل يتعارض مفهوم «الضامن» مع السيادة؟

فرضت الأزمة السورية معجم مصطلحات سياسياً جديداً، وهذا طبيعي ومعهود سابقاً عندنا وعند غيرنا، فصرنا نسمع بالبيئة الحاضنة، وبالمعارض الوطني، وبالمعارض المعتدل، وبالموقف الرمادي وبإشكالية الثورة… هذا يستدعي التذكير مجدداً بقول بطل الثورة الفيتنامية الجنرال جياب:

«الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب، والثورة التي يُغدق عليها بالمال تتحول إلى تمرّد لصوص ومجرمين».

وهكذا يدخل اليوم مفهوم “الضامن” في المعجم السياسي. وعلى ما يبدو فقد فرضت معطيات الواقع هذا المفهوم على المسار السياسي لحل الأزمة التي لم تعد سوريّةً محضة كما كنا متأكدين من تداعياتها منذ البداية. ومفهوم “الضامن” إشكالي منذ توقيع الاتفاقية تمهيداً لملتقى أستانة مروراً بتصويت مجلس الأمن بالإجماع على المشروع الروسي وصدور القرار 2336 وصولاً إلى ما نحن فيه اليوم من تحفظات عديدة معلنة وغير معلنة.

إذن، نحن سنكون أمام إشكالية ناتجة عن إقحام هذا المفهوم الطارىء. فواقعياً يمكن التسليم بحق الحليف الروسي أن يكون ضامناً نظراً إلى جهوده المتواصلة في محاربة الإرهاب ودعم الشرعية والسيادة والحق.

وبالواقع نفسه يمكن التسليم أيضاً بإمكانية أن يكون النظام التركي ضامناً للعصابات المسلحة المتشظّية التي يرى هو بنفسه أنها عصيّة على التصنيف والالتزام والإلزام نظراً إلى دوره في دعم إجرامها ورعايته وصولاً إلى أزمته المتفاقمة والعصيّة على التنبؤ.

لكن بالمقابل نحن وبمنطق الواقع أمام معطيات راهنة فرضها صمود سورية شعباً وجيشاً وقيادة. أمام حقائق تؤكد أننا كنّا ومازلنا أقوياء بذاتنا وبحلفائنا وبتاريخنا كدولة عريقة في المجتمع الدولي، وفي وطنيتها وعروبيتها وسعيها المستمر إلى ترسيخ العلمانية والتقدم واللاطائفية، إلى العيش المشترك والوحدة الوطنية والوحدة العربية، إلى الاستقرار والتكامل الإقليمي من خلال مجتمع سياسي متقدّم، ومجتمع مدني ومجتمع أهلي متميزين في مختلف الأزمات. ومن خلال جيش وطني عروبي ذي تاريخ عريق من يوسف العظمة في ميسلون، إلى القسّام والمطران كبوتشي في فلسطين، إلى سليمان الحلبي وجول جمّال في مصر، إلى الجزائر. ودولة وطنية بهذا الشعب والجيش والتاريخ العريق وتتمتع بالسيادة وباستقلال القرار، جديرة أن تكون هي الضامن للواقع وللمستقبل.

لذلك لن يكون هناك أي طرح ضامن لحل الأزمة دون أن يُبنى على سيادة الدولة الوطنية السورية ووحدتها أرضاً وشعباً، وهذا مالم يجرؤ أحد -حتى تاريخه- على القفز فوقه، ومن سيحاول سيُخزى.

ولن يكون هناك مشكلة في ذهابنا إلى أستانة سواء تعثّر المسار أم لم يتعثّر، فقد ذهبنا من قبل مراراً إلى جنيف وفيينا انطلاقاً من قناعتنا نظرياً وممارسة منذ البداية بالحوار وبدعم المسار السياسي، ولكن يجب أن يعلم الجميع أن هناك معطيات جديدة كل يوم على امتداد أرض الوطن، وفي العالم أيضاً، وكما قلنا سابقاً قبل القصير ليس كما بعده، وقبل حلب ليس كما بعدها، وقبل تفجيرات تركيا وأوروبا ليس كما بعدها، نقول اليوم:

يحق لنا نحن الوطنيين التقدميين الذين نمثّل القطاعات الأوسع من الشعب السوري بتاريخنا وحضورنا ورصيدنا الشعبي والرسمي أن يكون لنا مفهومنا الخاص والمجدي للضامن وللمعتدل وللحاضن وللرمادي وللخارجي وللمرتزق وللخائن وللإرهابي المختلف عن مفهوم المجتمع الدولي، وعن المفهوم الذي يفرضه الواقع حتى على ديناميكية الدبلوماسية الوطنية.

يحق لنا أيضاً أن نطالب الآخرين جميعاً ألّا يخلطوا بين الثورة والثورة المضادة، وأن يفرّقوا بين المعارض الوطني والإرهابي العابر، وأن يسقطوا من حساباتهم المستقبلية استمرار الغرب بتقديم الحمّص للإرهابي قبل المولد وبعده.

هاهم الغربيون يستفيقون اليوم بعدما صدمهم الإرهابي وأثبت أنه عصيّ على الاحتواء فترتفع أصوات مفكريهم بنعي العقل النقدي في استراتيجياتهم، وبتخبّطهم في هذا المعترك.

فإلى الضامن التركي، وإلى “معتدليه” من أنساق رجعية دينية متطرفة: أين أنتم من الثورة، وأين أنتم من الأخلاق والدين في وقت لا تستطيعون فيه أن تنكروا بمرجعياتكم الصفراء أن قطع الماء عن دمشق وحلب مراراً، والكهرباء بالأمس عن القنيطرة وغيرها سابقاً هو في سياق الحدود “الكبائر” لا التعزيرات، وحدّ الحِرابة تحديداً؟!.

لن يتعارض الضامن مع السيادة، ولن يكون هناك تقاسم نفوذ، وحين قال الرئيس الأسد بالأمس «السبيل الوحيد لحل المشكلة هو أن يسامح الجميع الجميع» فإن قول سيادته مبني على ثقة المنتصر بالشعب وبالوطن وبالحق وبالتاريخ وبالمستقبل، رهاناً على عودة الوعي وأصالة الانتماء.

وكثير من أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم يتطلعون بترقّب وأمل إلى نتائج تجاوز سورية الصعاب، ولطالما تجاوزتها.

د. عبد اللطيف عمران