مساحة حرة

هل حقاً تركيا في شقاق مع أمريكا؟

على الرغم من الحديث مؤخراً عن حالة خلاف جدية بين السلطة التركية  وإدارة الرئيس “باراك أوباما” الآفلة، حيث بدأ يطفو على سطح المياه الراكدة بقوة الجليد  الذي أفرزته الحلقة الانقلابية الفاشلة من مسرحية إطباق الكف بالكامل على مراكز السلطة في تركيا، وما تلاها من انتقام شرس مغلف بعباءة الشرعية من خصوم أردوغان بطريقة انكشارية مخزية أمام الرأي العام العالمي الذي لفه صمت مريب تجاه ما فعلته يد السلطان العثماني التي يحركها عقل مختل مشبع بالهوس الإجرامي ” الجهادي “ضد كل من حامت حوله شبهة العلم المسبق بالانقلاب في أدنى تقدير، فكيف إذا كان مشاركاً أو مؤيداً؟

السؤال الذي يتبادر لذهن أي مراقب ومتابع للشان السياسي على ساحة المنطقة، هو: هل حقاً تركيا في شقاق عن امريكا؟ وهل تستطيع الخروج من تحت مظلة حلف شمال الأطلسي الذي هي عضواً هاماً فيه وتُمثل أراضيها حدوده الجنوبية مع منطقة الشرق الأوسط التي تجري على أراضيها أعتى أنواع الحروب والتنافس على أضخم احتياطي نفطي وغازي في العالم، إضافة إلى طريق الحرير الحيوي للتجارة العالمية، وخاصة في مجال التحكم بحركة التجارة الصينية التي تشكل عامل الرعب الحقيقي أمام مستقبل امريكا والغرب الاقتصادي؟

يبدو من السذاجة بمكان القبول بمنطق العداء التركي لأمريكا خصوصاً وللغرب عموماً، ولكن كما برع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في أداء أدواره المرسومة من قادة البنتاغون عبر قيادة حلف شمال الأطلسي “الأندوكوم” التي مقرها ازمير التركية، فهو يلعب على حبال التحولات المتوقعة القادمة مع انتخاب رئيس أمريكي جديد وتسلم إدارته في العشرين من الشهر الجاري، ربما له فلسفته الخاصة أو رؤيته المختلفة عن الإدارة السابقة في الية السيطرة على العالم، وبالتالي يسعى أردوغان من خلال هذا الدور الى إظهار خلافه الشديد مع الإدارة الأمريكية الحالية التي ساعدت الإرهابيين بكل الوسائل (وهو لديه الثبوتيات التي تدين واشنطن وقيادة قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا)، وكأن إدارة أوباما قدمت المساعدة للإرهابيين عبر موسكو او بكين أو جزر القمر ؟؟ وكأنه يقول للعالم أجمع بأنه بريء مما كانت تفعله الإدارة الأمريكية في سورية العراق وأن مئات الآلاف من الإرهابيين والسلاح والمال كانت تعبر الأراضي التركية بدون موافقته!

هناك من يرى تحولا مذهلا في الموقف التركي تجاه الحرب على سورية، ويعزو ذلك إلى عدة عوامل كان لها الاثر الواضح في تغيير سياسة أنقرة، أهمها القبض على مجموعة ضباط وعسكريين وخبراء اتراك في بعض أحياء حلب الشرقية، واعترافهم بعلاقة تركيا ودعمها لجبهة النصرة وبقية التنظيمات الإرهابية الاخرى، إضافة إلى الدور الشخصي للرئيس التركي  “اردوغان في قيادة التنظيمات الإسلامية المطرفة حيث كان على رأس حركة (مللي غوروش) الإسلامية”، وتمكن من الحصول على حكم محكمة تركية بالبراءة من جرائمها وكان مشكوك في صدقية هذا الحكم من قبل المعارضة التركية.

جاء قرار وقف الأعمال القتالية الذي وضعت خطوطه العريضة كل من موسكو وطهران وأنقرة في اجتماع موسكو، نتيجة حتمية للانتصار العظيم الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب وتحريرها بالكامل وإخراج الإرهابيين منها مهزومين رغم كل أنواع الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة والغرب لهم كذلك عبر تركيا ومعها، وقد كشف الواقع العام في حلب المحررة  الدور القذر الذي يلعبه أردوغان وشركائه الغربيين في الأزمة السورية، وحجم الدعم الذي يُقدمونه للإرهاب وخاصة لجبهة النصرة المصنفة دولياً كتنظيم إرهابي، وجاءت مباركة الدول الغربية لوقف القتال على كافة الجبهات السورية ليس حباً بمشاركة الحكومة السورية الشرعية وجيشها الباسل أفراح هذا الانتصار، بل من اجل تاخير تتمة الانتصار على كامل التراب السوري، وإعطاء فسحة جديدة للإرهابيين من اجل لملمة أشلائهم المتناثرة على كافة الجبهات، حيث بات من المؤكد أن نهاية دورهم التخريبي العدواني في سورية قد أشرف على النهاية بكل تاكيد، ومحاولة لجمع بعض الأوراق الضاغطة في خلخلة النظام السوري عبر تطعيمه ببعض العملاء المأجورين الذين شاركو الأعداء في حربهم على سورية سواء بالموقف أو بالمال أو بالممارسة الفعلية على الأرض.

سيكون اجتماع الاستانا خطوة هامة في تفسير القرار الدولي 2254 ووضع اللمسات الأخيرة من قبل محور حلفاء سورية لخارطة الطريق التي ستعتمد دولياً في اجتماعات جنيف خلال شهر شباط القادم، الذي يعتقد المراقبون بانه سيكون اجتماعا فاصلا في الحرب على سورية، وسيُفضي إلى نتائج قابلة للحياة تساعد في تحسين مستوى الاستقرار العالمي.

الحكومة السورية وقيادتها السياسية فتحت الباب واسعاً امام نجاح هذه الاجتماعات من خلال تبنيها لقرار وقف إطلاق النار الشامل باستثناء اماكن تواجد “داعش وجبهة النصرة”، وتوسيع رقعة المصالحات مع المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين، وتقديم المساعدات اللازمة للمدنيين، انطلاقاً من واجبها الوطني الطبيعي، وإن الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحلفاء على أتم استعداد لتنفيذ المهام المطلوبة منهم على مساحة سورية الواحدة الموحدة.

محمد عبد الكريم مصطفى