ثقافة وفن

“ومَهْما إجِتْ أيام..”

كلما استعادت الذاكرة صورة رعاع هذا الزمان؛ المتنكّبين ثورة العصر بعارها وحقدها؛ وأيديهم تنزل بالمطارق على مقتنيات وكنوز أرقى الحضارات تكسيراً وتدميراً، بينما الجهل الذي أعمى عقولهم، يتكفل بدفع ما استعصى عليهم إلى الأرض إمعاناً برسم صورة بيّنة لحقدهم، يسقط القلب معها مدمى وواجفاً، إذ كيف يمكن لعقل سليم يمتلك أقل القليل من التفكير أن يساهم برسم النهاية لحقبٍ؛ هي الأهم في تاريخ البشرية، أو أن يكون له دور ولو بسيط؛ في تدمير أندر الآثار والكنوز الحضارية، هل قلت الجهل؟ لعله بريء من التهمة! فقد تأتي أزمنة ليست بالبعيدة تتباهى فيها بعض متاحف العالم؛ بما أوهمتنا بتدميره يوماً، وبعض الصور ما زالت تشهد وتكشف حقيقة ما قامت به العديد من البعثات الأثرية الأمريكية من سرقات، ونهب لآثار أور العراقية وسواها من المدن، لتنقلها إلى جامعات ومتاحف بنسلفانيا الأمريكية، أليس لتلك الأيدي بصماتها اليوم بالغاية نفسها وإن بغير مكان ووسيلة.

هذه الأيام؛ ربما الصورة غير الصورة لكن المشهد يستوي معها، حين يهدر أنقى الماء، في الشوارع يختلط بماء النهر أو يسيل في الشوارع بينما يمنع عن أهله طلاّبه! فيعقد اللسان ويوقف نبضات القلوب ويسقطها، بينما الأذية والحقد واحد، ولعلها الدليل على انتقالة لأعداء الإنسانية يهود الداخل والخارج من اغتيال الأجساد والرموز التي تجسّدت في أشخاص عظام بدءاً من صلب المسيح ابن مريم وصولاً إلى علماء ومفكرين أنبياء عصرهم على امتداد الزمان والأزمات التي مرت بنا، انتقالة نوعية إلى اغتيال الروح والقيم والناموس البشري من خلال غسل الأدمغة، تحوّل مدعي الثورات إلى أدوات قتل، ونساءها إلى سلع تباع وتشترى، تحت غطاء الدين والإيمان وتطبيق تعاليمه! ترى أين النور الذي استبشر به إنسان شهد بدايات الأديان وقد نادت باليسر والمحبة، بطلب العلم وإجلال العقل، أين هو النور مما نحن فيه يمنع العلم ويحبس ماء الحياة عمن وهبوه للجميع، والشام قد اعتادت بيوتها أن تجعل من مائها سبيلاً للغادي والرائح ولعابر الطريق من الغرباء، إلى أي درك أنزلتم الرسالات من عليائها، دعوها في الأعلى تُنَرِ الحياة، فأعلى لتتسع دائرة الضياء.

أما هنا، نحن هنا، فإن كان من وصف يليق بصمود أبناء هذه الأرض في كل نازلة تنزل بهم، وكل ظرف مفرح أو حتى ذلك الذي يطفح بالألم؛ فهو “فعل حياة” لا يتأتّى إلاّ ممن “يستحقون الحياة”

“وبيوت أهل الشام.. بيوت الكرم والعز   ومهما إجت إيام…  بتضل هيي الشام”

ستبدأ هذه الأرض لفظ صديد الجراحات؛ تضمّدها رغم الألم، وتسير إلى غاياتها، حيث بناء الإنسان أولها، يردّد ويكرّس ما غنّته فيروز يوماً:

“أسورية فلتعلم الشعوب

بأننا نفنى ولا نلين

أسورية فلتهنأ القلوب

لن يدخل الغريب للعرين

لن يدخل الغريب للعرين”.

دمشق: بشرى الحكيم