مساحة حرة

اليمين الأوروبي يتقدم..  فهل نحن أمام حرب عالمية ثالثة؟

في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى تعززت الدول القومية في أوروبا، وأصبح التعصب والفاشية والشوفونية العنوان للكثير من الدول “إيطاليا- ألمانيا- النمسا- بولندا”، هذا الأمر أدى في نهاية المطاف إلى تفجر حرب عالمية ثانية راح ضحيتها أكثر من عشرين مليون إنسان، إضافة إلى نشوء كيان سياسي جديد يلفظ القوميات وينادي بالاندماج بين الشعوب المكونة لاتحاد مع التركيز على إنشاء قوة اقتصادية تكون حاملة لكل آمال الشعوب، ولكن هذه التجربة الأوروبية ورغم كل الزخم الذي سخر لتكون نموذجاً عالمياً وصورة فريدة لشعوب العالم، اصطدم تارة بصراع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية.. وبنزعة قومية مازالت كامنة في نفوس الشعوب تريد الانعزال والخروج من هذا الآتون الجديد والعودة إلى بناء دولتها القومية من جديد..

ولكن بعد عقدين على انتهاء الحرب الباردة تعززت هذه النزعة بشكل كبير حتى باتت أحزاب اليمين تكتسح الشارع الأوروبي، ولعل في خروج انكلترا “البريكست” من المنظومة الأوروبية قد دق إسفين كبير في جسد الوحدة الأوربية وجعلها مهددة بالانهيار الكامل مع ظهور دعوات يمنية في كل من هولندا وألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا تحذو حذو حزب الاستقلال البريطاني..

ولكن ما هي الأسباب التي دفعت باليمين الأوروبي لاستعادة أمجاده وهل ونحن بعد كل هذا الزخم اليميني المتطرف أمام حرب عالمية ثالثة تعيد ترتيب أوراق القارة العجوز والعالم..

يقول مراقبون أن هناك مجموعة من العوامل أدت لارتفاع أسهم قوى اليمين المتطرف في أوروبا، وأن أهمها هي قضية المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا سواء بشكل شرعي أو غير شرعي وخصوصاً في أعقاب أحداث ما يسمى “الربيع العربي” وما تلاه من خروج موجات كبيرة باتجاه أوروبا، حيث أدت الحوادث التي قام بها المهاجرون “أحداث مدينة كولونيا الألمانية وباريس وبروكسل” لخلق فرصة لقوى اليمين المتطرف لاستغلال قضية اللاجئين وإثارة مشاعر معاداة اللاجئين لدى الرأي العام الأوروبي.

والأمر الثاني الذي عزز فرص اليمين هو الصعوبات الاقتصادية التي تتعرض له هذه الدول من جراء السياسية الاقتصادية التي اتبعت في الاتحاد وانقيادها إلى السياسية الأمريكية الاقتصادية والتي أدت إلى تسجيل ملايين من العاطلين عن العمل، وكساد اقتصادي وفي أحيان أخرى فشل على مستوى الدولة أدى إلى إعلانها الإفلاس والطلب من المنظمات الأوروبية الاستدانة لمنع السقوط.

والأمر الثالث هو فشل الأحزاب والتيارات الأوروبية من اليسار واليمن الوسط والاشتراكي، في تقديم البرامج والحلول التي تجذب المواطن الأوروبي نحوها وهذا ساعد أحزاب اليمين على سحب البساط من تحت أقدام هذه التيارات.. كما أدت السياسات الخارجية التي اتبعتها وخصوصاً فيما يتعلق بالأحداث الحاصلة في الشرق الأوسط من دعم علني وغير مسبوق للقوى المتطرفة والإرهابية، هذه المجموعات الإرهابية التي انتقلت إلى الداخل الأوربي وتنفيذ العديد من الهجمات الدامية التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، ما رسخ هدف اليمين المتطرف لكسب قاعدة جماهيرية بالادعاء أن الإسلام ومتبعيه هم التهديد الأساسي لقيم أوروبا الثقافية والقومية هذا من جهة

كما بدت الأحزاب والقوى الأوروبية وكأنها أداة في يد واشنطن وسياستها حول العالم، فلم يكن يوماً القرار الأوروبي اتجاه أي قضية دولية مهما كانت مستقلاً وإنما كان بوقاً لما يريده سيد البيت الأبيض.. والموقف من روسيا مثال.. فالموقف الرسمي الأوربي اتخذ موقفاً مؤيداً لما تريده واشنطن رغم أن مصالحه الاقتصادية والزراعية والاستثمارية تضررت بشكل كبير.. فجاءت أحزاب اليمين الأوروبية لتؤكد على مسألة هامة أن سياستها الدولية منفصلة أولاً عن سياسات الاتحاد كمنظمة وعن واشنطن كحليف ونادت باللقاء مع روسيا والشراكة معها “مارين لوبان”.. كما انتقدت سياسات دولها اتجاه الشرق الأوسط وعدته خطأ لا يغتفر ..

وبالتالي فإن اليمين الأوروبي استغل ضعف هذه القوى والأحزاب المسيطرة منذ فترة الحرب العالمية الثانية، وقدم نفسه مخلصاً وحاملاً لأمال الملايين من الأوروبيين، فهل تنجح هذه القوى في السيطرة على أوروبا من الجديد أما أننا سنشهد صحوة متأخرة للنخب الأوروبية من اليسار واليمن الوسط وتجديد خطابها ومضي في مشروع الوحدة.

سنان حسن