مساحة حرة

العدوان الأمريكي على سورية.. الأسباب والنتائج؟

لم يكن قرار الإدارة الأمريكة المتهور بالتدخل المباشر في الحرب على الدولة السورية وشعبها وجيشها الوطني إلى جانب التنظيمات الإرهابية مستغرباً، في ظل التقدم الكاسح والإنتصارات العظيمة المتلاحقة التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفائه على كافة جبهات القتال في ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم، سيما وأن الاستثمار في الإرهاب واستخدامه كوسيلة لتحقيق غايات واهداف استعمارية وعدوانية دنيئة هي من صلب الإستراتيجية الغربية عموماً والأمريكية بشكلٍ خاص وهذا ما اكدته اعترافات الإدارة الامريكية السابقة في اكثر من مكان، وقد جاء الإعتداء الامريكي على القاعدة الجوية السورية بعد أن لاح في الأفق السوري بشائر هزيمة محققة للإرهاب بكل أشكاله وألوانه وبالتالي هزيمة مشغليه، حيث أخذ المحور المعادي لسورية يتلمس الخطر القادم، وعليه الاعتراف بانتصار سورية وحلفائها بعد كل ما قدموه من إمكانيات مادية ولوجستية واستخبارية لهذه التنظيمات الإرهابية التي باتت تتقزم وتنهزم أمام الضربات العنيفة التي تتلقاها من بواسل القوات المسلحة السورية وحلفائها، إضافة إلى النجاحات المتكاملة التي حققتها القيادة السورية على كافة المستويات، سواء منها االعسكرية في جبهات القتال كما ذكرنا، وفي الجانب الدبلوماسي والسياسي عبر الحضور الفاعل والجدّي في اجتماعات الأستانا وجنيف وغيرها، وفي الجانب الاجتماعي والوطني كذلك من خلال انجاز المصالحات في العديد من المناطق الهامة وإعادة الحياة الطبيعية إليها، مما أعطى مؤشراً موضوعياً على اقتراب مشروع الحل الفعلي للأزمة السورية من الوصول إلى نهايته السعيدة، وإنهاء الحرب التي دخلت عامها السابع دون أن يتمكن المحور المعادي لسورية النيل من عزيمة وإرادة الشعب والحكومة السورية وإصرارهما على المضي قدماً في الحفاظ على قواعد الدولة وتثبيتها على أسسٍ علمية وديمقراطية بحيث تُصبح قادرة على إعادة سورية إلى سابق عهدها، وتُعيد لها دورها الحيوي والطبيعي في قيادة المنطقة .

ما ان بدأت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد ” دونالد ترامب ” بالإفصاح عن سياستها تجاه سورية التي وعدت بها أثناء حملتها الانتخابية متمثلة في محاربة الإرهاب كأولوية، وما إن قالت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ” نيكي هالي ” في تصريح لها : ” إن الإطاحة بالرئيس الأسد لم تعد تشكل أولوية لواشنطن ..”، ثم تلاها وزير الخارجية الأمريكية ” ريكس تيلرسون ” بتصريح صاعق من انقرة : ” إن الشعب السوري وحده من يملك الحق في اختيار رئيسه ..” ، حتى وصلت الصدمة بقوة إلى ما يُسمى في أمريكا بالدولة العميقة ( البنتاغون وأذرعه في مؤسسات الدولة )، التي تعتبر نفسها صاحبة الحق التقليدي والدائم في صناعة القرار الأمريكي، كما انتشرت الصدمة كذلك في أروقة الحلفاء الذين سارعت استخبارتهم لإختلاق مسرحية الكيماوي في خان شيخون، ووضع إدارة ” ترامب ” أمام جملة من الأسئلة المحرجة التي تتطلب منه الإجابة العملية عليها من خلال القيام برد فعل يحفظ لأمريكا مكانتها المفترضة في الهيمنة على العالم، كون  المحور المعادي لسورية لم يتمكن من هضم التصريحات الايجابية التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكية ومندوبته في الأمم المتحدة، حيث تساءل وزير خارجية فرنسا ” جان مارك إيرولت ” بغضب بعيد هذه التصريحات قائلاً : ” هل علينا الإحتفاظ بالأسد أم لا ؟ “.

جاء العدوان الأمريكي الغادر على مطار الشعيرات العسكري بالتواقت مع انفراط عقد التحالف التركي الأوروبي والحرب الكلامية فيما بينهم من جهة، ويأس مملكة الرمال ودويلات ومشيخات البترو – دولار في الخليج الأعرابي من الأمل في تحقيق أدنى حد من أهداف حربهم الإرهابية القذرة على سورية والتي كلفتهم مبالغ خيالية وباتت تُنذر بهزيمة كبرى تهدد عروشهم الهلامية ومستقبل ممالكهم الرغوية، مما دفعهم للهرولة نحو البيت الأبيض الأمريكي والتعهد أمام الرئيس الأمريكي بدفع تكلفة أي اعتداء عسكري على سورية مهما بلغت من جهة ثانية، كما اعتبرها ” ترامب ” فرصة لإثبات قوة عضلاته في اتخاذ قرار افرادي بضرب سورية دون الحصول على غطاء رسمي من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو حتى من الكونغرس الأمريكي، مذكراً باستمرار هيمنة أمريكا على قيادة العالم.

في النتيجة لقد أكد أغلب المتابعون والمحللون بأن العدوان الأمريكي على سورية فشل في تحقيق أياً من الأهداف، بل على العكس من ذلك فرض على الولايات المتحدة وضعا محرجا للغاية دولياً وداخلياً، على المستوى الداخلي تساءل المتابعون لتغريدات ترامب عن أسباب التناقض الكبير بين ماطرحه في عام 2013 رداً على مسرحية كيماوي الغوطة وإعترافه بأنها مفبركة لتوريط أمريكا في حرب لا مصلحة لها فيها، واتهم في حينها أوباما بأنه يريد فرض حظر جوي على سورية لحماية تنظيم القاعدة ..، كما انتقده البعض في الداخل الأمريكي معتبراً أنه هاجم سياسة منافسته في الانتخابات الرئاسية ” هيلاري كلنتون ” ونفذ رغباتها التي رسمتها الدولة العميقة التي تتبنى مواقف وسياسة هيلاري، كما أنه أمر بالعدوان دون توفر أية أدلة، وهذا ما أفادت به المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة التي قالت : ” إن المعلومات ليست متوافرة لدينا حول ما جرى في خان شيخون لكن أصابع الإتهام تتجه نحو القوات السورية ..؟ ” وهذاما يؤكد بأن قرار العدوان كان متخذا قبل القيام بمسرحية الكيماوي في خان شيخون، حيث قامت الاستخبارات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية والتركية بترتيب المسرحية والتخطيط لها بإشراف وكالة الاستخبارات الأمريكية وبالتنسيق معها .

الإعتداء الأمريكي لاقى ردة فعل بمستوى النوايا الأمريكية المبيتة، وبما يفوق كثيراً عن حجم العدوان ذاته، حيث تم تهميش فاعلية أكثر من نصف الصواريخ الموجهة وإسقاطها قبل وصولها إلى الهدف، وعاودت القاعدة الجوية نشاطها الطبيعي في اليوم التالي للعدوان،  كما تم تعليق الاتفاق الروسي الأمريكي المنظم لحركة الطيران في الأجواء السورية من قبل الجانب الروسي، وتم تدعيم الجيش العربي السوري بأسلحة روسية متطورة جداً للدفاعات الجوية حيث كانت الطلبية مجمدة، وهذه رسالة عالية اللهجة للجانب الأمريكي، ومن الناحية السياسية كان العدوان مناسبة ملائمة لروسيا في مجلس الأمن لاتهام الولايات المتحدة بدعمها للتنظيمات الإرهابية والتنسيق معها في سورية، وإعلاء صوت المندوب الروسي في وجه الإدارة الأمريكية بأن عهد القطبية الأحادية ولّى إلى غير رجعة  وأن العالم بات محكوماً بنظام جديد قائم على التعددية القطبية، وتم تثبيت ذلك في محاضر مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى انسحاب بعض الدول الغربية كـ( بلجيكا وألمانيا ) من التحالف الأمريكي الذي أثبت أنه ضد سورية وليس ضد الإرهاب في سورية كما هو معلن .

محمد عبد الكريم مصطفى