مساحة حرة

لماذا معركة الاستقلال مستمرة ؟

حظيت الدول العربيّة في منتصف القرن الماضي بجلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيها، فصار لديها أعياد للجلاء، لكن أغلبها لم يحظَ بالاستقلال، فمازالت تعيش الاستقلال السياسي والاجتماعي وهماً من الأوهام، فأي جلاء هذا الذي واكبه دعم الغرب والرجعية العربية للمشروع الصهيوني في المنطقة؟!، وأي جلاء واستقلال حين ينخرط أغلب الدول العربية في «تحالف دولي» استهدف ويستهدف ليبيا وسورية والعراق واليمن؟!

إن ما يجري من أحداث في الوطن العربي جرّاء الحرب على سورية يستدعي قراءة غير نمطية للجلاء والاستقلال بعيداً عن سرديات الخطابية والتمجيد، مع أهمية استلهام حركة الاستقلال والتحرر الوطني العربية.

في سورية اليوم معركة من أجل “نظام دولي جديد”، يقف فيها السوريون شعباً وجيشاً وقيادة موقفاً تاريخياً ستتقرر بموجبه ملامح هذا النظام. هذا الموقف الصامد بوجه التطرّف والتكفير والإرهاب هو الموقف الصامد نفسه للآباء والأجداد بوجه الاستعمارين القديم «العثماني» والجديد «الأطلسي» ومعهما الصهيونية والرجعية العربية.

والسوريون في مواقفهم الصامدة سابقاً واليوم لا يستخفّون بأعداء السلام والاستقرار والعدالة والتقدّم، لكنهم لم ولن يكونوا في يوم من الأيام حياديين أمام ثقافة الكراهية وفقهاء الظلام والمأجورية، وهم بصمودهم يؤسسون قواعد مهمة لنزوع شعوب العالم نحو التحرر والسلام والخلاص من أعداء الإنسانية وحوش العصر الذين عبروا الحدود إليهم لينشروا القتل والخراب والدمار.

اليوم في كل بقعة من أرض سورية حكاية صمود تاريخي. في حلب مثلاً صمود في وجه حصار وحوش، من عدة دول، أطول وأقسى من حصار عكا وروما وباريس وستالينغراد ولينينغراد. هذا الصمود يؤكد أن معركة الاستقلال مستمرة، وأن حركة التحرر الوطني العربية لم تُنجز، وأن حلم العرب أو هدفهم بالجلاء لمّا يتحقق.

هذا الصمود هو الذي دفع أصحاب الرأي الحرّ في العالم إلى السخرية من التصريحات التحريضية حول “مشروع اليوم التالي The day after “، وهو الذي يضفي دلالات جديدة على الفيلم الوثائقي «كلاب الحراسة الجدد» المُستقى من كتاب سيرج حليمي حيث يوظّف الإعلاميون والمحللون والخبراء في مراكز الدراسات واستطلاع الرأي حرّاساً لوحشية النيوكولونيالية بعيداً عن الاستقلالية والموضوعية.

هذا الصمود السوري في سبيل الاستقلال الحقيقي خلف القائد الأسد -الخطر الأكبر على المشروع الصهيو وهابي- هو الذي سيؤكد أن ما يُسمّى بـ “الربيع العربي” وبـ “التحالف الدولي” هما غطاء لاهتزاز الشرعية التاريخية للإسلام السياسي، وأن الذي تقدّمه ما تسمى بالجامعة العربية للوهابية وللإخوان المسلمين ذراع الصهيو أطلسية لن يجدي شيئاً.

وإن «شكراً ترامب» هي عار تاريخي، يذكّر بـ “شكراً بوش” و”شكراً شارون”، فلاتزال الإدارة الأمريكية في اليقظة والحلم تعيش أوهام عالم أحادي القطب، يرهقها أن ترى نزوعاً نحو التوازن الدولي يرجّح صمود الشعب السوري كفّته.

فالأمريكان أصلاً لايقبلون بعالم متعدد الأقطاب، وهاهو ترامب يستفيق فجأة وحشاً كاسراً أعمى يبدأ أيامه باستهداف الصين استراتيجياً، ثم يشنُّ عدواناً سافراً على سورية بقصف «الشعيرات»، ويقصف في أفغانستان مبتدعاً وحشية في القصف تأكيداً على أهمية دلالة جريمته في الشعيرات، ويمضي رابعاً في غرائزه الوحشية نحو كوريا الديمقراطية، وخامساً يستفزّ موسكو بالدعوة إلى محادثات «حازمة» معها حول دعمها لسورية، وأعمالها «التخريبية» في أوروبا.

إذاً يستفيق ترامب ليقع في الحلم بل في الوهم وهو يحرّك عجلة التاريخ إلى الوراء بعد اعترافه بترهّل وضعه الداخلي، وبهلهلة مؤسسات الإدارة الأمريكية ومعها المجتمع الأمريكي، فيظهر الرجل رئيساً وإدارةً عارياً أحمق. فلم تمضِ أشهر قليلة عليه رئيساً ليتضح أنه ليس رجل دولة بقدر ما هو رجل تجارة وصفقات، فكل موقف سياسي عنده هو صفقة منفردة، ومواقفه ليست في سياق استراتيجي متكامل، وهذا من أسباب التناقض بين تصريحات مؤسسات إدارته، بل من أسباب تناقضاته مع نفسه، وكذلك الأمر مع وزير خارجيته تيلرسون، والمثال واضح تجاه الموقف من سورية.

وهذه الحرب التي سننتصر فيها، وتنتهي معها لاشك «العاصفة على الشرق الأوسط» ويحقق الصمود فيها الاستقلال، هي المعركة التي نخوضها جنباً إلى جنب مع أحرار العالم والقوى الشعبية الحيّة والكامنة فيه التي تتأهب للظهور والفعل وهي ترى مع هكذا إدارة وذيولها أن سياسة الهاوية أفضل من سياسة حافة الهاوية، وصدق من قال: “إذا هبتَ أمراً فقَعْ فيه، فإن شدّة توقّيه أعظم مما تخاف منه”.

د. عبد اللطيف عمران