مساحة حرة

مذكرة تخفيف توتر ..وأبعادها الجيوسياسية

أكدت مذكرة إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سورية أن الاتحاد الروسي وإيران وتركيا ضامنون لمراعاة نظام وقف الأعمال القتالية في الجمهورية العربية السورية، حيث دعت الوثيقة إلى إنشاء مناطق تخفيف التوتر في محافظة إدلب وإلى الشمال من حمص وفي الغوطة الشرقية وفي جنوب سورية التي يُنشئها الضامنون والأطراف المعنية الأخرى بهدف وضع حد فوري للأعمال القتالية وتحسين الحالة الإنسانية وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية للأزمة في سورية، وعلى الأطراف الضامنة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد تنظيمي ” داعش، وجبهة النصرة ” وغيرهما من المجموعات والمنظمات التابعة لهما في مناطق التوتر ومساعدة القوات الحكومية والمعارضة المسلحة على مواصلة القتال ضد ” داعش وجبهة النصرة ” وأتباعهما، وبينت المذكرة أن الضامنين يقومون في غضون / 5 / أيام بعد التوقيع على المذكرة بتشكيل فريق عمل مشترك معني بالتوتر يُشار إليه باسم الفريق العامل المشترك على مستوى الممثلين المأذون لهم من اجل تحديد حدود نزع السلاح ومناطق التوتر فضلاً عن حل المسائل التشغيلية والتقنية المتصلة بتنفيذ المذكرة، وانه يتعين على الضامنين أن يتخذوا التدابير اللازمة لاستكمال تعريف خرائط مناطق التوتر والمناطق الأمنية بحدود / 22 / أيار الجاري، على أن يُقدم الفريق العامل المشترك تقاريره إلى الاجتماعات المتعلقة بتسوية الأزمة في سورية في إطار عملية أستانا .
على الرغم من ان مصطلح تخفيف التوتر دخل حديثاً على أجندة الاجتماعات واللقاءات التي تُعقد حول الازمة السورية، وتجاوز فكرة المناطق الأمنة التي كان يطرحها باستمرار رئيس النظام التركي ” أردوغان “، و نادى بها الرئيس الأمريكي ” ترامب ” في بداية عهده، بحيث يمكن لها تحقيق أهداف متعددة في آنٍ معاً، وتتجاوز في مهمتها الحالة الانسانية نحو تشكيل جبهة مشتركة واسعة من القوات السورية النظامية مع مجموعة من الميليشيات المسلحة التي انطوت تحت لواء اجتماعات الأستانا لمواجهة التنظيمات الإرهابية المصنفة دولياً، سواء داخل مناطق تخفيف التصعيد أو خارجها، السؤال الذي يفرض ذاته هنا هو : هل باستطاعة الدول الضامنة تنفيذ بند إتمام إعداد الخرائط والفصل بين التنظيمات الإرهابية وخاصة جبهة النصرة المنتشرة بكثافة في محافظة إدلب وفصلها عن بقية التنظيمات ” المعتدلة ” ؟ إذا كانت الإدارة الأمريكية بقدها وقديدها وما تمتلكه من سطوة على التنظيمات الإرهابية المصنعة أمريكياً، قد سبق وعطلت الاتفاق الأمريكي الروسي الذي وقعه وزيرا خارجيتهما في منتصف عام 2016، لعجزها عن تحديد تلك الخرائط والفصل بين التنظيمات ” المعتدلة ” والمتشددة، فهل يستطيع رئيس النظام التركي القيام بذلك ؟ وما هي الخطوات التي سيتبعها لتحقيق ذلك؟
في الواقع لا يُمكن الوثوق بدور وتعهدات أردوغان المراوغ ولن يؤمن جانبه، حيث انه يخطط منفرداً بعيداً عن السرب في محاولة خبيثة لتحقيق أهدافه القديمة المجددة في تقسيم الجغرافية السورية والسيطرة على أجزاء جديدة من سورية، حيث أكد المراقبون حشد قوات تركية بأعداد ضخمة على الحدود السورية في منطقة ادلب ضمن خطة للتدخل المباشر بعيداً عن التنسيق مع سورية أو الشركاء الضامنين، تحت غطاء العمل على فصل جبهة النصرة عن بقية الفصائل الأخرى، مع تأكيدنا على أن خطوة من هذا القبيل غير مدروسة وغير منسقة سترتد هزيمة كبيرة لأردوغان وجيشه المعتدي .
كما أن محاولة رعاع الفصائل المسلحة الذين حضروا اجتماعات الأستانا وعملوا بكل امكاناتهم بالتنسيق مع الضامن التركي على تخريب مخرجات الاجتماع من خلال تصويب سهام الغدر والقدح بحق إيران في خطوة تكتيكية مكشوفة للتنصل من موجبات المذكرة القاضية بمواجهة ” داعش وجبهة النصرة وأتباعها “، وخشيتهم من أن يلاقوا نفس المصير نظراً لعدم امتلاكهم عوامل البقاء والمشاركة في الحكم مستقبلاً، والأهم الرفض الشعبي المطلق لكل من شارك في قتل السوريين وتدمير بلدهم، لذلك هم يلهثون خلف وهم .
جاءت المذكرة بمكوناتها وشروطها وما يُمكن ان تؤول إليه من مخرجات، ضربة مركزة وموجهة من الحليف الروسي إلى المحور المعادي وذلك بإخراج أفكار الرئيس الامريكي ” دونالد ترامب ” من إنشاء مناطق آمنة ذات مدلولات مختلفة وأهداف غير بريئة، وتحويلها إلى واقع جديد مختلف ومشروط بموافقة الحكومة السورية الشرعية، ولمدة محددة / 6 / أشهر قابلة للتجديد في حال اثبتت نجاحها، وبالتالي اجهاضها من مفهومها المعادي لسورية ولقيادتها السياسية .
هناك من يرى في الحشود العسكرية الكبيرة على الحدود الجنوبية لسورية مع الأردن، من جيوش أمريكية وبريطانية وأردنية وربما سعودية وإسرائيلية،هي لإفراغ الخطة الروسية السورية الإيرانية المشتركة المعدة لتحرير منطقة دير الزور من داعش، ومنع الجيش العربي السوري وحلفائه من الوصول إلى الحدود العراقية السورية، عبر تنفيذ هجوم من الجنوب السوري باتجاه البادية السورية، والتنسيق مع داعش لتسليم المنطقة للتحالف الأمريكي وقوات ” قسد ” المتعاونة معه، لكن في حال أصرت إدارة ترامب على تنفيذ تلك الخطة تكون قد تجاوزت الخطوط الحمراء الروسية والإيرانية، ولا أعتقد بأن لأمريكا مصلحة في تسعير الجبهة الجنوبية في هذا الوقت بالذات لما تحمله من مخاطر حقيقية على أدواتها في المنطقة، في حين يرى البعض الأخر من المتابعين أن الإعتقاد بوجود خلاف امريكي روسي في الملف السوري هو واهم، وان الادارة الامريكية سلمت الملف بالمطلق إلى الروس، وقد تحمل زيارة الوزير ” لافروف ” إلى واشنطن نتائج اكثر وضوحا وتفاهمات علنية على خطة تحرير الرقة التي ربما تُعهد إلى قوات ” قسد ” بمساندة من قوات التحالف .
في النتيجة نرى أن الحكومة السورية وجيشها الوطني والشعب السوري ومعهم الحلفاء متيقظون لكل تلك الخطط والسيناريوهات ومستعدون لمواجهتها بقوة وعزم ولكنهم في الوقت ذاته يسعون بكل الامكانات لتجنيب المنطقة والعالم فرصة الانزلاق في حرب شاملة لن ينجو منها احد، وقد أثبتت سورية وحلفائها في أكثر من مناسبة تصميمهم وامتلاكهم لإرادة الحل السياسي للأزمة السورية رغم كل العراقيل التي يفتعلها المحور المعادي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها في المنطقة .

محمد عبد الكريم مصطفى