مساحة حرة

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة.. أول الرقص قطر؟

لم يمضِ وقت طويل حتى تكشفت خيوط اللعبة الجديدة التي حملها الخليفة الإسلامي ” دونالد ترامب ” إلى ديار المسلمين، حيث حدد من الرياض عاصمة القيادة الإسلامية ومركز الناتو الصهيو – إسلامي استراتيجيته الجديدة في المنطقة العربية والإسلامية، شارحاً لأتباعه من 53 دولة عربية وإسلامية صفات المؤمن المعتدل الذي تدعمه الولايات المتحدة وتؤمن الحماية المؤقتة له طيلة فترة الإدرار السخي، ومبيناً في الوقت ذاته من هي الجهات الإرهابية التي تُهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم وعلى رأسها إيران والتنظيمات المقاومة للأطماع الاستعمارية التوسعية للكيان الصهيوني وحكومته العنصرية، لسوء حظ مشيخة قطر بأنها لم تفهم اللعبة الجديدة، وربما قد نضب ضرعها الذي أباحته بسخاء طيلة ست سنوات ماضية في دعم التنظيمات الإرهابية بكل أشكالها وألوانها، ولذلك لم تتمكن من ملء صندوق الزكاة الذي افتتحه ترامب في الرياض إلى مبلغ / التريليون / دولار أمريكي الذي توقع ” ترامب ” أن يجنيه خلال زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة، وكان قد وعد الأمريكيين بملئه حتى آخر دولار نفطي في الخليج أثناء حملته الانتخابية قبل وصوله إلى البيت الأبيض الأمريكي، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المتداعي وفق أغلب الدراسات الاستراتيجية الأمريكية، إذاً أول الرقص قطر التي كانت طيلة العقدين الماضيين السباقة في حمل راية الدفاع عن وجود ومستقبل الكيان الإرهابي الأول في المنطقة العربية الذي بنى دولته الإستعمارية على أنقاض جماجم و أشلاء الشعب الفلسطيني الذي حُرم من كل انواع الحياة الكريمة الهادئة المستقرة منذ وعد بلفور المشؤوم الذي مضى عليه مائة عام ..
استفقنا في الخامس من حزيران – وهو يوم ذكرى الهزيمة العربية المذلة امام جيش الاحتلال الإسرائيلي – على قرارات صادرة عن التحالف الذي أسسه الخليفة ” ترامب ” ضد مشيخة قطر بتهمة انها ترعى وتدعم الإرهاب وتهدد أمن واستقرار المنطقة العربية والاسلامية، وجرى تطبيق حصار سياسي واقتصادي شامل متكامل ضدها كمقدمة لخطوات تصعيدية قادمة، قد تصل إلى حد التدخل العسكري المباشر لتغيير النظام فيها وانهاء حقبة الأمير الصغير تميم بن حمد، وتعيين من هو أكثر قرباً وطاعة لبني سعود ومشروعهم الوهابي المكمل للمشروع الصهيوني العالمي .
السؤال الذي يفرض نفسه هو : لماذا قطر، رغم كل ما قدمته من عوامل ومساعدات مباشرة للمشروع الصهيوني ذاته الذي يُقصيها اليوم من الأجندة الجيوسياسية الجديدة ؟
في الواقع هذا ليس بجديد على السياسة الأمريكية الخارجية، فهي تستثمر عملاءها إلى حين انتهاء صلاحيتهم، فتقضي عليهم بما لديهم من تاريخ أسود، وهذا ما أكدته ” ثورات الربيع العربي ” التي بدأت بالرؤساء المطأطئين لأمريكا أولاً للتأكد من قوة ونجاعة الخطة التدميرية للمجتمعات المستهدفة، الموقف الامريكي مما يجري في الخليج كان باهتا وهادئاً على لسان وزير الخارجية الأمريكي ” ريكس تيلرسون ” الذي دعا إلى توحيد الصف الخليجي وحل المشاكل داخلياً، وقد تشابه الأمس البعيد عندما أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لغزو الكويت، حيث نفذ العدوان على الكويت بعد ساعات قليلة من لقائه السفيرة الأمريكية في العراق “ابريل غلاسبي ” وكان ينتظر مباركة الولايات المتحدة، لكنه حصد احتلال العراق والقضاء عليه شنقاً .
في النتيجة نؤكد أن كل الدول والتحالفات التي باعت نفسها للشيطان الأمريكي ستصل إلى نتائج مختلفة كلياً عما تم تصويره لها عندما وضعت نفسها وقدرات أوطانها حاملا وجسرا لمشاريع الفوضى الخلاقة التي ستنتج مجتمعات جديدة وافكار جديدة وقيم ومبادئ خارجة عن أدبيات واخلاق مجتمعاتنا الأصيلة، ومتعارضة مع القيم النبيلة لديننا الحنيف، وإن الفوضى التي روج لها الإعلام الأصفر المأجور في دول الخليج والغرب لن تُفضي إلا إلى الخراب والدمار وإنتاج المزيد من التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي ستقضي على كل القيم المجتمعية الصحيحة وتُنشئ أجيالا مبدعة في الإجرام والفساد والإفساد، وجنت على نفسها قطر .

محمد عبد الكريم مصطفى