الشريط الاخباريمساحة حرة

سقوط داعش ليس نهاية المعركة

لايزال تطهير دير الزور انتصاراً مدويّاً يشغل العالم، ومفخرة حققها الجيش العربي السوري وحلفاء الشعب والدولة الوطنية، انتصاراً ليس على داعش وحده، بل على داعميه ومشغليه والمراهنين عليه محلياً وإقليمياً ودولياً.. وهو أساساً حلقة في سلسلة الانتصارات المتواصلة من القصير إلى تدمر إلى حمص إلى حلب حتى آخر شبر من أرض الوطن الطاهرة والمطهرّة جميعها قريباً.

لكن لانتصار دير الزور طعماً آخر، لأنه قوّض على مايبدو مؤامرة كبرى كانت مرسومة بأبعاد جيوسياسية إقليمية خطيرة، فهُزمت خططٌ ورهانات، ولذلك كان هناك ردات فعل عديدة محلية وإقليمية منها المناورات الصهيونية الكبيرة في شمال فلسطين المحتلة، والاعتداء على الموقع في مصياف، وهجوم داعش في سيناء، وما جرى أمس في البرلمان العراقي، ومحاولات التحالف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي التقليل من شأن هذا الانتصار، إضافة إلى زيارة الأمير السعودي للكيان الصهيوني.

لا يمكن تجاهل محاولات التقليل من شأن الانتصار، لأنها تفصح عن الخطط والنوايا المبيّتة والخبيثة، فكل انتصار على الإرهاب وداعميه يكون أقسى عليهم من الذي قبله لأن كرة ثلج الهزيمة تكبر وتستمر بالتدحرج دون توقف. وفوراً يحضر وكالعادة السؤال: ماذا بعد دير الزور، على غرار ماذا بعد حلب سابقاً؟!

والحقيقة هي كما أن انتصار دير الزور حلقة في سلسلة الانتصارات، فإن هزيمة الإرهاب فيها حلقة في سلسلة هزيمة المؤامرة الطويلة في الزمان والمكان على الوطن والأمة، على الإسلام وعلى الشرق بأقوامه وأديانه.

إذن، المعركة مستمّرة، والمؤامرة تاريخية، والعدوان على سورية بمبادئها وثوابتها وتاريخها ليس جديداً ولا طارئاً، وإنما هو في سياق معروف، عليها وعلى العرب وقضيتهم المركزية.

والمعركة تأخذ أشكالاً عديدة، أخطرها وأقساها ما نشهده اليوم اعتماداً على المأجورية التاريخية لخرق الغرب للإسلام السياسي عن طريق شراء جماعات يتم توظيفها للفتنة والتخريب الاجتماعي والسياسي والروحي والاقتصادي، ومؤخراً العسكري أي استهداف الجيوش الوطنية.

فلطالما عمل الغرب على تغييب التراث الحضاري للإسلام بأبعاده النضاليّة والعلمانيّة والمدنيّة والنهضويّة، وعلى تحويل مصادر قوة الإسلام والمسلمين التاريخيّة الحضاريّة إلى ضعف واقعي ومستقبلي عن طريق فتنة داخلية  مذهبية، أو طائفية أو عرقية من خلال غرس حقائق مضلّلة في أذهان الأجيال على نحو ما عززه الاستشراق الاستعماري:”ليس للشرق وللمسلمين عموماً هوية وطنية بل هويات دينية مذهبية” كما يقول برنارد لويس، علماً أن للعرب والمسلمين مؤلفات مهمّة تدحض هذا على نحو ما نجد مثالاً عند د. حسين مروّة في كتاب “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” والذي يؤكد أصالة التفكير التحرري النهضوي الحداثوي التقدمي في تراثنا وفي تاريخنا الحديث ومنعكسات ذلك على حركات الاستقلال الوطني والتحرر العربية.

كيف تنتهي المعركة والأمريكان يرَون اليوم تحرير مطار دير الزور وجبل الثردة بعدما قصفوا قبل أشهر قواتنا المسلحة فيهما تمهيداً لتقدّم داعش، وهم بالأمس أخلوا جوّاً عدداً من قيادات داعش من مسرح الأحداث في دير الزور إلى مسرح آخر لا شك؟.

وكيف تنتهي المعركة وهناك تفكير صهيوأطلسي – رجعي عربي بنقل داعش وأخواته من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى تمهيداً لصدام إسلامي بوذي يبدو أن الهدف منه الصين وجوارها على غرار الصدام السابق الذي افتعلته بريطانيا بين المسلمين والهندوس؟.

كيف تنتهي المعركة وفي بلد إسلامي في إفريقيا مثل نيجيريا تُدعم فيه جماعة بوكوحرام، وفي الصومال حركة الشباب، وفي أندونيسيا في الشرق الأقصى آلاف المدارس على غرار مدارس طالبان في أفغانستان حيث الدعم من الوهابية للجهاد الإسلامي والارتباط بالتطرف بحيث تؤهَّل هذه المدارس لتكون مدارس تجنيد جاهزة للمهام.

بعد انتصار دير الزور رأى الباحثون الصهاينة أن “دعاية نهاية الحرب وموت داعش مُنكرة، ويخطئ تماماً من يظن أن انهيار داعش سيضع حداً للحروب الداخلية، فلن يجفّ مستنقع الدماء في المجتمعات العربية والإسلامية”.

“الحروب الجديدة” لداعش وإخوته توفّر على الغرب والصهاينة أعباء التورّط المباشر في الحروب، وحيث الفتنة أشد من القتل.

ما الحل إذن حتى لا تكون المعركة مستمرة؟.

“نحن لسنا هواة قتل وتدمير”. والحل هو أن تقوم المؤسسات والأحزاب والمنظمات والنقابات والتيارات التقدمية الوطنية والقومية بدورها المأمول، وبمهامها النهضوية التحررية العلمانية في هكذا مجتمعات، وأن تنهض معها المؤسسة الدينية الوطنية بتعزيز هذا الدور منعاً لتحطيم سيسيولوجيّة الشخصية الإسلامية وحمايتها من عبث الغرب.

د. عبد اللطيف عمران