مساحة حرة

استفتاء البرزاني.. خطأ تاريخي ضد الأكراد

لقد وقع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني في خطأ تاريخي ضد الأكراد ومستقبلهم في المنطقة عندما وافق على الانطلاق في تنفيذ المخطط الصهيو – أمريكي المبرمج ضد العراق منذ عقود سابقة، والذي كانت بدايته مع احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية في آذار من عام 2003، وتدمير الدولة المركزية فيه وحل الجيش الوطني وتشكيل السلطة العراقية على مبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية بما يتنافى مع الأسس المتبعة حتى في امريكا ذاتها، وذلك كون العراق من الدول الرئيسية اقتصادياً وتحتل موقعاً جيوسياسياً هاماً في المنطقة، ومن غير المسموح للعراق تحت أي ظرف وفق المنهج الأمريكي (وفي الحقيقة الصهيوني) إعادة بناء الدولة بشكل ذاتي وفق أسس علمية حديثة تعكس حضارة وثقافة الشعب العراقي نفسه دون إملاءات خارجية، سيما وأن التطور العلمي والتقني كان قد وصل إلى مستويات غاية في الأهمية قبل سقوط نظام صدام حسين في 2003، لذلك جاءت حسابات البرزاني ومن خلفه الطالباني كخطوة في طريق تنفيذ المخطط الصهيوني المعد للمنطقة، وهو مجحف ومدمر للشعب الكردي الذي قدم إلى المنطقة وتفاعل مع مكوناتها الأساسية وحقق مستوى جيد من إثبات الوجود كقوى وطنية لها دورها الريادي في البناء الوطني لدول المنطقة، قبل ان يكون عملا جرميا بحق شعوب المنطقة كلها كذلك الأمر.

كما أن منعكسات السير بهذا المشروع الانفصالي من جانب القيادات الكردية غير المبرر وغير المقبول، ستعزز الشعور المعادي للأكراد بين أطياف المجتمعات الأصلية للمنطقة الذين سيقرؤون هذه الأجندة كاعتداء مباشر على أوطانهم إضافة إلى ما يحمله هذا الموقف الانفصالي من خطر على أمن واستقرار المنطقة برمتها، لذلك سارعت الدول المجاورة للعراق في معارضة ورفض هذا الاستفتاء بقوة واعتبرته رسالة تحمل رائحة الخطر ضد الأكراد و لشعوبها كذلك، وسيُلحق الضرر المباشر بمصالح شعوب المنطقة بما فيهم الأكراد قبل غيرهم، لأن دولة مهاباد الكردية المنشودة أو اتحاد دولة كردستان الكبرى (كما يُطلق عليها البعض من الأحزاب والشخصيات الحالمة) لن تكون حظوظها في الحياة أفضل من حظ “دولة داعش” التي تمت هزيمتها وسحقها والقضاء على مرتكزاتها الأساسية التي كانت هي الأخرى نتيجة سوء تقدير من قبل الحركة الإسلاموية الوهابية التي رأت في الغرب الاستعماري وأمريكا والكيان الصهيوني حليفا مناسبا قد يُساعدها في الوصول إلى كرسي السلطة في كافة دول المنطقة كنتيجة لما أسمته حراك “الربيع العربي”، وعلى رأس هؤلاء المتهورين كان نظام أردوغان في تركيا الذي أطلق العنان لمخيلته في إعادة تشكيل الخلافة العثمانية المندثرة، مقابل تحويل وجهة الصراع الأزلي في المنطقة من صراع عربي – صهيوني إلى صراع عربي – فارسي وإشهار الأنظمة الإسلاموية العداء لإيران مقابل تأمين مصالح الكيان الصهيوني وحماته في الغرب الاستعماري.

على الرغم من حصول الاستفتاء الخطأ، نرى بان الحكومة العراقية وضعت رؤية موضوعية وهادئة لمواجهة هذا الخطر وإفشال مفعوله على المستوى الوطني من خلال التعاون مع الدول المجاورة الذين يجتمعون على رؤية مشتركة بضرورة منع مرور هذا المخطط مهما تطلب الوضع من إمكانيات، وفتح باب للحوار في الوقت ذاته من اجل منع انزلاق المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه من تجييش للعواطف ومن التحريض الخارجي الذي لا يهمه من المنطقة غير مصالحه ولو كان ذلك على رماد المنطقة، وعلى رأس المحرضين الإدارة الأمريكية التي تبيع وتشتري وفق حركة السوق ومؤشر الربح والخسارة، فهي من جهة تستثمر الأكراد لتمرير مشروعها الاستعماري الحديث في وجه القوى الدولية الصاعدة وخاصة روسيا والصين، وهي في الوقت ذاته تلعب على وتر علاقتها المبهمة مع الحليف التركي الشريك في حلف الناتو،حيث تُطلق  من جهة التطمينات بعدم تمدد الحلم الكردي باتجاه تركيا، ومن جهة أخرى تستمر في تقديم الدعم للأكراد وتعدهم في مساعدتهم في سورية وإيران، لكن النتيجة الوحيدة المؤكدة هي أن الإدارة الأمريكية جانب غير مضمون، وأثبتت الوقائع بأنها تتخلى عن حلفائها وأدواتها عندما تنتهي المصلحة المباشرة منهم .

وأما في سورية فالوضع مختلف كلياً، وقد صرح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين السيد وليد المعلم: “بأن مطالبة الأكراد بإدارة ذاتية في بعض المناطق، هو أمر قابل للحوار …”، وعندما تُفضي نتيجة الحوار إلى انه لا مصلحة للأكراد في تقزيم دورهم الوطني الممنوح على ساحة الوطن، فقد يخرج من بينهم من يرفض كل الطروحات التقسيمية التي هي تهميشية أكثر من كونها تقرير مصير وحرية واستقلال، لأن الأوطان التي تستطيع الصمود أمام رياح التغيير والتخريب يجب ان تمتلك تاريخ وأسس حضارية، وبنية مجتمعية منسجمة مع متطلبات الاستقرار والاستمرار، وهنا يخضع الشعب الكردي وقياداته السياسية إلى اختبار في غاية الأهمية والخطورة بانٍ معاً، فهل سيتمكن الأكراد من تجاوز لغة العواطف إلى منهج المصالح الكبرى ؟ قد لا يكون اللعب على وتر الأمر الواقع ناجحا في جميع الحالات كما يتوهم مسعود البرزاني ..!!!

 

محمد عبد الكريم مصطفى