ثقافة وفن

الشاعرة والتشكيلية د. أسمهان الحلواني لـ”البعث ميديا”: أنا مصابة بفصام جميل

ظاهرة انتشار الفن والأدب بكل أجناسه بين أطباء وصيادلة ومهندسون، في بلدنا سورية، ليست ظاهرة غريبة، لكنها لافتة للانتباه، فما الذي يدفع (طبيب جراح) لأن يتغزل بالورد أو بعطر أنثى، وما الذي يدفع طبيب آخر للذهاب في التألق الموسيقي، وما الذي دفع الطبيب عبد السلام العجيلي، لأن يحقق نجاح أدبي مرموق على مستوى الوطن العربي. الدكتورة الصيدلانية أسمهان الحلواني استطاعت أن تنجح في حقلين إبداعيين هما الشعر والفن التشكيلي، كذلك نجاحها في مهنتها. على الصعيد الإبداعي استطاعت أسمهان الحلواني أن تحقق حضورا لافتا شعريا من خلال المشاركات في الأمسيات الأدبية والمنتديات الثقافية، ومن خلال ديوانها الشعري الموسوم بـ(ذاكرة الأرواح) الصادر مؤخرا في دمشق، والذي رسمت لوحة غلافه، كذلك اللوحات داخل الديوان بريشتها، وقد حققت مجموعتها الشعرية اهتماما لافتاً من النقاد والقراء، وهي تستعد حالياً اصدار مجموعة ثانية بالإضافة لمعرض فني.
مع الشاعرة والفنانة التشكيلية للبعث ميديا كان هذا اللقاء:

– لماذا الشعر والفن التشكيلي وأنت دكتورة ناجحة في الصيدلة؟
سأختصر الإجابة بقول لأنني إنسانة، وإنسانية والإنسانية هي ما يقبل الاكتمال وتطمح للتعبير عن الذات الوجودية والانفعال مع كيمياء المحيط، لا يمكن تجزئة الإنسان بل هو حصيلة مشاعره ومنجزاته .. معتقداته وسبل تحقيقها والتعبير عنها لهذا، كانت أنشودتي متكاملة رسما بالكلمات، تعبيرا بالخطوط … وامتهانا لما يجعلني على مقربة من محبة المحيط لونا ولفظا ومداواة.
– تقولين: “على ورق القصيدة النحيلة تكتب الحروف بماء الندى / وتروي النداء.” ماذا يمكن لأوراق القصائد أن تقول في هذا الزمن الرديء؟
تقول القصيدة: “ماذا يموج في جسدي حين التأرجح على قمة الشاهق بي حافية القدمين على نضال البوح، أي حلم يكتبني فيسيل مني ماء الروح، يحرك خلاخيل الصهيل”، القصيدة أنثى، قضية، تهمس تصرخ تتمرد تغني تنتحب وتنتصر. القصيدة كائن حي خالد حين يعانق الهاجس الخفي الزلالي، ويكتبه بقلم الفضة بشبق نشوة القصيدة مرآة عصر وشعور، تقول للزمن أنا في كل عتمتك أستعيد النور وبه أخط الرسالة.
– لوحاتك التي رسمتيها ضمن المجموعة هل كانت من إيحاءات القصائد أم ماذا؟
هناك ترابط نسيجي بين اللوحة التشكيلية والنص النثري، أو القصيدة الشعرية وإذا كان النص وليد ومضة واحدة، فاللوحة وليدة عدة ومضات لا تنتهي وتتشابك مع النص بتكويناتها وألوانها، حتى وإن رسمت ببعد زمني منفصل عن تاريخ كتابة النص، إلا أن الحالة الشعورية تتوالد وتتكرر على نحو مختلف التعبير، من حيث استخدام الأدوات لتجسيد الشعور والرؤى، وحين يتم الجمع بينهما يأتي هذا دليلا على مدى التحليق في متاهة لعبة الذكاء التعبيري، في العوالم الإبداعية للكاتب الفنان.
– في مجموعتك الشعرية ذاكرة الأرواح الصادرة حديثا في دمشق، تطغى القصيدة المكثفة أو القصيدة الومضة.. لماذا؟
في ذاكرة الأرواح وهي باكورة أعمالي المعلنة للنور، كان اختياري للقصيدة المكثفة المعبرة عن قضايا وطنية اجتماعية غزلية و صوفية، تعبر عن ارتقاء الذات نحو فضاءات التخيل والحلم، كانت الومضة لأنها تختزن عمق الفكرة مع التشكيل التصويري المعبر عن الغليان الداخلي، فأتت تعبيرا بسيطا حداثويا مغايرا لا يتكئ على تجارب سابقة، بل يأتي متناسبا مع الإثارة العميقة، المتوائمة مع الحس التأملي فاستعاضت عن الإسهاب بالبصيرة وكثافة المعنى.
– أين تجدين ذاتك أكثر في اللوحة أم القصيدة؟
أجد نفسي في الفضاء المترامي بينهما، وفي المعادلة الناتجة عن روح في جسدين، لينتج عنها الواحد المثنى من كليهما معا، حين تعجز الكلمة، تمتشق الريشة لونا وبنقطة واحدة تخط ملحمة، وحين يعز اللون ينساب أسيل البوح على شرفات القصيدة رقراقا، يصعب علي َّالفصل، وأنا المصابة بفصام جميل، أنفصل فيه عن ذاتي وأرقب مني كلاي.
– في زمن الحرب الجائرة التي عشناها هل ثمة انعكاسات لذلك في قصائدك.. ولوحاتك؟
الإبداع نزيف الروح، وباب كون ينفتح على مصراعيه، حين يعلو منا الأنين، وبين دم شق ندى العشب وذريرات التراب، ودم سال على الخشب الذبيح، أرى الوطن شهيا حين يقنعنا الألم، وتبتسم القصيدة في ذروة الملح وتتجسد اللوحة درب الخلاص، الإبداع كبرياء الجرح في زمن الحرب، وتمسيد جدائل شمس النصر بين كفي قصيد، كل هذه الانعكاسات يجعل من نتاجي مرآة كبرى قد تسقط وتتشظى، لكن حقيقة كونها المرآة هي اليقين الأكبر.
– إلى أي عالم تطمح الشاعرة و الفنانة الدكتورة أسمهان الحلواني؟
لا أطمح إلى تغيير العالم الآن، لكنني أومن بمشروعية الحلم والتخيل، الشعر ليس طفلا يحمل أحلاما مستحيلة، لكنه يحمل حلم بشرية، بإمكاناتها و رسالتها و تسابقها المحموم نحو مفاتيح بوابات الجمال والحياة والحلم…
– ماذا تخبئين لنا مستقبلا من إبداعات ؟
الإبداع سلسبيل سلسال لا ينتهي، هناك عدة مخطوطات شعرية نثرية قيد الطباعة، ومعارض فنية تلوح في أفق قريب.
البعث ميديا || خاص – حوار أحمد عساف