مساحة حرة

الحوار الوطني.. والانتقال إلى السياسة؟

ما من شك بأن أي حرب ترتكز في كينونتها على تحقيق أهداف محددة، منها ما هو اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي أو جميعها معاً مشتركة، وفي النتيجة يؤطر المنتصر اجندته الخاصة عبر مشروع متكامل يتناغم مع أهدافه ودوافعه التي قادت إلى دخول الحرب والانتصار، فعلاً لقد انتصر الجيش العربي السوري وحلفاؤه على المجموعات الإرهابية بكل أشكالها وألوانها وكان لانتصاره في دير الزور وريفها وخاصة في البوكمال بعد استرتيجي هام يؤسس لمرحلة جديدة مختلفة كلياً عما قبلها، كونها تشكل هزيمة كبرى أطاحت بالمشروع الامريكي المعادي لسورية الذي رسمته وقادت تنفيذه الإدارة الأمريكية السابقة واللاحقة بالاشتراك مع حلفائها في الغرب الاستعماري وأدواتها على الساحة الإقليمية والمحلية، نعم انتصرت إرادة الشعب والجيش والقيادة في سورية لصالح مشروع الدولة الوطنية الواحدة الموحدة والمستقلة، بل انتصرت سورية لعودة استنهاض المشروع القومي بحلته الجديدة، وهذا ما يتردد صداه على الساحة العربية الواسعة وقراناه في مواقف وتصريحات ممثلي الاحزاب العربي إلى لقاء دمشق الاخير، كما انتصرت روسيا الصديقة وحلفاؤها في سورية لصالح تعزيز وترسيخ القانون والمواثيق الدولية، ومنعت بقوة صوتها الصادق استخدام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كوسيلة وجسر للسيطرة على الدول والشعوب الفقيرة، وهو انتصار للإنسانية جمعاء.

حملت القمة السورية الروسية في سوتشي ولقاء الرئيسين بشار الاسد وبوتين معاني ودلالات كثيرة عبرت خلالها الصور العفوية عن حفاوة اللقاء بين شركاء الانتصار الكبير والساحق على الإرهاب ومشغليه على الساحة الدولية، وأكدت لكل ذي بصيرة بأن العلاقة السورية الروسية هي علاقة استراتيجة بكل الأبعاد والمقاييس ولا تخضع لنظام الصفقات والمصالح الضيقة، بل يُحددها تاريخ مشترك من المواجهة والصمود في وجه الحملات الاستعمارية والأهداف العدوانية ضد البشرية، كما جاءت بعدها قمة ثلاثية روسية – إيرانية – تركية خرجت ببيان يؤكد على استمرار التعاون في دحر الإرهاب بكل أشكاله، ومساعدة السوريين على حل الأزمة عبر السياسة، واقرت للسوريين حقهم وحدهم في تقرير مستقبلهم بذاتهم، وأيدت الخارجية السورية ما حمله البيان الختامي للقمة الثلاثية، انطلاقاً من قناعة القيادة في سورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار بحتمية قيام حوار وطني واسع يقود إلى عملية سياسية شاملة تُخرج البلاد من أزمتها التي قاربت على السبع سنوات، وتضع حداً لإراقة الدماء البريئة.

وهذا ما ينسجم مع روح السياسة التي اعتمدتها القيادة في سورية منذ بدء الأزمة لمواجهة الحرب الكونية الظالمة التي فُرضت عليها، حيث فتحت باب الحوار على مصراعيه، وقدم السيد الرئيس بشار الأسد مشروعاً وطنياً متكاملاً للإصلاح في كلمته التي ألقاها في دمشق بتاريخ السادس من كانون الثاني عام 2013 وحدد في حينه ضرورة تنفيذ ثلاثة مراحل أساسية للوصول إلى مرحلة الانتقال إلى العملية السياسية بكل وضوح وشفافية، لكن أحلام البعض ممن راهنوا على الخارج وساروا في ركب الأعداء حال دون الدخول بحوار وطني حقيقي منتج، وبعد كل هذا الوقت والتضحيات والخسائر لا نعتقد بأن ما يُمكن أن يحققه هؤلاء بأحسن ما كان ممكناً في 2013 لكنهم لم يستوعبوا اهمية ما طرحه الرئيس الأسد في ذلك الوقت، وقد قال سيادته عنهم: “نحن لم نرفض يوماً الحل السياسي عبر دعامته الأساسية وهي الحوار الوطني الذي يدفع سورية إلى الأمام، لكن مع مَن نتحاور ؟ هل نتحاور مع عصابات تؤتمر من الخارج ؟ ..سنحاور كل من خالفنا بالسياسة وكل من ناقضنا بالمواقف، إيماناً منّا بضرورة الحوار بين أبناء سورية…”

اليوم توافق القيادة في سورية بإرادة صلبة وعزيمة المنتصر ودون أي إلزام من أحد على الانتقال إلى السير في العملية السياسية عبر حوار وطني مسؤول سواء في سوتشي حيث وافقت الحكومة السورية على حضور لقاء سوتشي المقرر في بداية الشهر القادم، كما انها ستدعم وتحضر أي لقاء يُخصص لبحث الازمة السورية وايجاد حل موضوعي لها في سورية او في أي مكان آخر، المهم ان يصل الحوار بسورية إلى بر الأمان ويُعيد حركة الحياة إلى سابق عهدها قبل بدء الحرب عليها، وعلى كل من يحمل في فكره ونفسه بقايا بذور وطنية صادقة أن يتحفز وينتقل مباشرة إلى طاولة الحوار للمشاركة في تضمين جراح الوطن دون اية شروط مسبقة، وهي مسؤولية الأحزاب والمنظمات والتجمعات الوطنية والشخصيات الفكرية والاعتبارية من كافة الأطياف لإعادة تعزيز الجبهة الداخلية، وتمتين تلاحم المجتمع في المشروع السياسي الجديد المبني على أسس المصالحة والمسامحة تحت راية الدولة الواحدة الموحدة بقيادة الرئيس الشجاع بشار الأسد الذي قاد السفينة بكل اقتدار وحكمة إلى بر الأمان..

 

محمد عبد الكريم مصطفى