مساحة حرة

التطرّف السياسي ونظيره

ما سمعناه أول أمس من عنتريات معارضة الرياض مؤشر واضح ومجاني على أن المتطرفين سياسياً وإرهابياً وجهان لعملة واحدة، وهو في الوقت نفسه مؤشر على أن المصير سيكون واحداً في الميدان السياسي والاجتماعي والعسكري.

فما الفرق بين هذه العنتريات وعنتريات الإرهابي. كلاهما خارج المنجز واقعياً جرّاء صمود الشعب والجيش ومؤسسات الدولة الوطنية كافة.

فما سمعناه ليس خياراً سياسياً، بل هو خيار مسلّحين، والأسهل معه  التفاوض مباشرة مع العصابات الإرهابية النظيرة على مايبدو.

وسننتظر اليوم لنرى ونسمع، والكتب تُقرأ من عناوينها، فما سمعناه يرجّح خياراً واحداً لا تملك معارضة الرياض ومشغلوها سواه وهو خيار التعطيل المناهض لرغبة المجتمع الدولي.

حسناً فعلت معارضة الداخل التي بادرت إلى تفنيد أباطيل المرتزقة، من منطلق المسؤولية الوطنية.

وها هي قناعة جماهير شعبنا تزداد في سورية والوطن العربي بأن رموز التطرف السياسي التي أنتجها التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي هي نفسها رموز التطرف والتكفير والإرهاب، لأن المنتج واحد وكذلك المشغِّل والداعم والأهداف واحدة، ولاسيما حين يتأكد للمتابع يوماً بعد يوم أن الرهان الأساسي لأحلام ولأوهام المتطرف سياسياً يقوم على انتظار منجزات المتطرف والتكفيري والإرهابي. والحقيقة فالمتطرف السياسي ومثاله الأبرز والأسوأ هو معارضة الرياض لطالما راهن على نجاح الإرهابي، وها هو يخسر الرهان. إنهما يخسران سوية.

إن الصوت المبحوح والممجوج الذي يتردد صداه ببغاوياً منذ سنوات من أشداق ماسُمّي بالائتلاف، وكذلك من معارضي الرياض صار مقترناً بالخيبة وبضعف الرؤية والإدراك، لأنه صار خارج الزمن وخارج الواقع، وهذا الكلام ليس رأياً حزبياً، ولا اتجاهاً سياسياً. إنها الحقيقة التي يزداد رسوخها وسطوعها وانتشارها في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.

ومع أننا كنّا منذ اليوم الأول للأزمة ولازلنا ننتصر للمسار السياسي في حل الأزمة خياراً وطنياً ومنطقياً انطلاقاً من الحرص الوثيق والدقيق على وقف نزيف الدم والخراب والدمار.

 

مع هذا صار واضحاً أن ماسمعناه بالأمس وقبله بكثير هو في الحقيقة يهدد مسار جنيف 8، ويجعل الرهان عليه كالرهان على ما سبق من جنيف وما سيتلوه.

وبالحقيقة نفسها فإن لسان جماهير شعبنا ينطلق من أنها لم تعد ترى في مسارات جنيف المتكررة أملاً يُراهن عليه ولاسيما حين تسمع الإدارة الأمريكية وأزلامها في الغرب والرجعية العربية – أعداء مصالح الوطن وحقوق الأمة – يرددون التركيز على مرجعية جنيف «الوحيدة»؟! ما يجعل من هذه المرجعية، بالمحصلة وبالمنطق، أملاً للمتطرف سياسياً وتكفيرياً.

ولا مشكلة عند هذه الجماهير وعند حلفائها وأصدقائها فيما يهدد مسار جنيف، ولسان حال وعيها وانتمائها وحدسها الصادق والمسؤول يقول: «بالناقص!».

لماذا «بالناقص»؟

أولاً، وببساطة يسود القول عند الوطنيين والعروبيين: تريدون جنيف أهلاً وسهلاً نحن جاهزون، تريدون تعطيله فمع السلامة، وهذا أحسن، لكن لماذا؟

لأنه في الواقع بدأ الأمل يتضاءل في مسار جنيف الذي بدأ من أوله أعرج ومخاتلاً، وُلد وانطلق في زمن مختلف ومغاير قبل ست سنوات عن الزمن الراهن، ولم يعد من قيمة له بعد المنجز من الصمود والانتصار، إلا اقترانه بالبعد الأممي الذي كان يومها مثقلاً بطفو وطأة حكومات البترودولار، والذي كاد يستبدّ بالمجتمع الدولي الذي اتجه يومها في أغلب مكوناته نحو المرهونية والهيمنة والإسفاف إلى درجة الانحطاط، لكن هذا تغيّر اليوم، تغيّر بالتضحيات الجسام، وبدماء الطهرة الأبرار، وبثبات مؤسسات الدولة الوطنية التي بدأت تكسب اجتماعياً أولاً مقابل خذلان متطرفي المعارضة والمسلحين.

هؤلاء المتطرفون الذين نواجههم في السياسة وفي الميدان تتراجع اليوم أسهمهم محلياً وإقليمياً ودولياً، ما أسهم في تحطيم مسارات أستانة وجنيف، لذلك باتوا يرون في جنيف مرجعية وحيدة.. ومع ذلك هم يتطلعون إلى من ينزل بهم عن الشجرة الملعونة.

وسنسمع في القريب -وقد سمعنا- أقوالاً كثيرة مشابهةً لما اعترف به حمد بن جاسم.

الآن تنطلق مؤسسات الدولة الوطنية الراسخة من توطيد قدرتها على تجاوز الأزمات المحلية، إلى الإسهام في حل الأزمات العربية، إسهاماً يتطلّع إليه الشارع العربي تطلّعاً واضحاً ومنشوداً وملموساً من المنظمات والاتحادات والبرلمانات والمثقفين العروبيين، ومن الأصدقاء في العالم الذين بدأت أصواتهم وبدأ حضورهم يرتفع بالانتصار لمسار الدولة الوطنية العروبية السورية.

فبدأت الجمهورية العربية السورية تسهم من جديد في الملتقيات والمؤتمرات الفكرية والمهنية والحزبية التي تشكّل البنى الفوقية في المجتمعات العربية والتي يُراهن في الأساس عليها.

ولا مشكلة لدينا إذا كان مؤتمر معارضة الرياض خرج بها “من تحت الدلف إلى تحت المزراب” في جنيف 8 وقبله، فهذا محسوب حسابه، كما أنه لا مشكلة لدينا أيضاً فيما سمعناه بالأمس من صبيان هذه المعارضة لأنه يؤكد بقية القول: لكل داء دواء يُستطبّ به.. إلا..

د. عبد اللطيف عمران