مساحة حرة

ثعالب أورشليم .. ودموع العتب في أروقة الأمم

ما يزال (شعور المظلوم) من المنظور النفسي يهيمن على شخصية السياسي الإسرائيلي بكل المستويات التي تشغلها منذ محاولاتهم البدائية على موائد ألمانيا وأمريكا بريطانيا لكسب التأييد الدولي لإقامة قوقعتهم الفولاذية في قلب وطن حدوده من ألمنيوم وحكامه من خشب إلا من أدركه الله سبحانه بالكرامة والشرف من المقاومين أبناء يعرب وقحطان الحقيقيين.

إن ما كسبه العدو الإسرائيلي، وما قام به من عمليات قتل ممنهج وآخر عشوائي، وسياسات استيطان همجية يعكس ويصرّح جهراً أن الشخصية اليهودية ظالمة وعدوانية، ليبقى الكشف عن الطاقة الروحانية المستودعة في شعور المظلوم مهمتنا كعقول تفتقد للتعقّل.

جذبني وأنا أتصفح إحدى المواقع الكترونية مغازلةً رومانسية يتراشق كلماتها المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبرت ساتلوف مع ثلاثة سفراء للكيان الغاصب (دوري غولد ودان غيلرمان ورون بروسور) في الخامس من كانون الأول 2017، دار فيها نقاش هادف للاستمالة، ومعرفة ما تحت الألسن بنيّة كشف النوايا دون الخلو من الدفقات الشعورية الصادقة للأسف، وما أملته من استرسال واستطراد يخفي خلفه مكر الثعالب الأمريكية.

تحدث الثلاثة (السفراء) عما سمّوه “العدالة والإنصاف” بصدد علاقة العدو الإسرائيلي بالأمم، واتهموها بالتحيز المؤسسي ضدهم، وحرمانها من احتمالات الاستفادة من العلاقات الثنائية المحسّنة لخلق فرص تصب في مصلحة الكيان الغاصب في المحافل المتعددة الأطراف، وغيرها من الاتهامات التي جعلتني أتكلم عن شعور المظلوم.

ورداً على سؤال حول أهمية الأمم المتحدة بالنسبة للعدو الإسرائيلي بعد مرور 70 عاماً على قرار التقسيم، قال غيلرمان: “لا أعتقد أن هناك ميداناً آخر في العالم يسمح لدبلوماسينا بنقل رسالة مماثلة إلى 193 بلداً عن واقعنا.

أوضح بروسور السبب الذي يدفعه إلى الاعتقاد بأن الأمم المتحدة “منحازة ضدهم من الناحيتين الهيكلية والمؤسسية”، بإشارته إلى عدم شغل أي إسرائيلي مناصب رفيعة المستوى [في المؤسسة الدولية]، واستثنائهم من عدّة مجموعات ولجان إقليمية؛ حيث تجاهل هذا الثعلب أنّ العلاقات الثنائية تمنح الكيان الإسرائيلي الفرصة لتعزيز وتحسين مكانتها في الأمم المتحدة وفي أماكن استيطانها عبر الدعم المفتوح بكافة المجالات من أمهاتها (أمريكا وبريطانيا وفرنسا).

أما غولد، فقد بحث فيما يجب أن تكون عليه مكانة الكيان الإسرائيلي بهذه المنظمة بناء على نجاحاتها بشبكة علاقاتها الثنائية التي لا تتناسب مع معاملتها في المحافل المتعددة الأطراف، قائلاً: “نشهد حالياً نهضةً في شرق المحيط الهادئ وفي أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية وفي العالم أجمع عموماً حتى مع الأوروبيين، وهو يطمح بأن يكون كيانهم مغناج الأمم ظاهراً وأداةً لتحقيق المكانة الدولية، مما يستدعي الاستغراب من مسكنتهم في هذه الجلسة الخاصة الثعلبية.

كشفت خطابات الثلاثة عن آلية العدو في توظيف الأمم المتحدة لتحقيق مصالحهم، وبالفعل إن الأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة متناقضة المصالح تتخذ أحياناً مواقف متعارضة مع مصالح المحتل الغادر، لذلك يلجأ العدو الصهيوني- مقابل العمل لمصلحتهم- إلى أعضاء مجلس الأمن الداعمين لها كأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وهذا ما اعترف به الثلاثة، حيث اتفق سفراء الاحتلال الثلاثة السابقون على أهمية علاقة بلادهم بالولايات المتحدة، وفي هذا الإطار، قال بروسور أنّه “من دون الولايات المتحدة لكانت “إسرائيل” كَبَدْ مُقَطَّعْ (أي مهمشة) في الأمم المتحدة” نظراً لانحياز الأمم المتحدة على الصعيدين الهيكلي والمؤسسي، والدليل الأعظم هنا موقفها من اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس “عاصمة” لهم، حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة ضد تبعية مدينة القدس للمحتل الغاشم، وأكدت 151 دولة أثناء التصويت الذي أجري في نيويورك أمس الخميس أنه لا صلة للقدس “بإسرائيل”، مقابل تسع دول ممتنعة وست داعمة، وهي الكيان نفسه والولايات المتحدة وكندا وجزر مارشال وميكرونيسيا وناورو.

وبالعودة للثلاثة، فقد شملت نقاط التوافق الأخرى بين السفراء رفض اضطلاع الأمم المتحدة بدور في عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية والدعوة إلى إصلاح وتحسين “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” (“الأونروا”)، وهذا ما يحاول داعميهم أن يشيعوه بدليل هجوم السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نِكي هايلي المنظمة الدولية وقالت إنّها تقوّض دعائم وفرص السلام بين الفلسطينيين والكيان الغاصب، وأضافت هايلي “إن المنظمة واحدة من أكثر المعاقل الدولية عداء صريحاً لإسرائيل.

إن نظرة الإسرائيليين عن أنفسهم ككيان، وادعاءاتهم الكاذبة التي يسير أغلبها عكس الواقع لا يخفي سوى رغبة وحيدة تكمن في تحويل الأمم المتحدة إلى قوة سيطرة على قرارات دولها بما يخدم الكيان الإسرائيلي ومشاريعه وتحركاته، ولعلها نجحت جزئياً، حيث يكفي للتدليل على ذلك الإشارة للسلبيات التي تعاني منها الأمم المتحدة كازدواجية المعايير، وكذلك التغاضي عن مخالفة الاحتلال الإسرائيلي للقوانين الدولية وانتهاك الشرعية الدلية بحماية قوية من مجلس الذئاب وانتهاكاته أيضا للسيادة السورية وقصفها بالصواريخ دون أي رد أكبر دليل على الصمت الأمم الذي أتي وسيأتي تحت القسر.

 

ساعود جمال ساعود