الشريط الاخباريمساحة حرة

سرديّة القضية المركزية والقـــدس «الشريـــف؟!»

بدأ مفهوم «القضية المركزية» يتلاشى في سرديّات الخطاب العربي السياسي والإعلامي والأكاديمي ولاسيما بعد اتفاقيات الاستسلام والتطبيع الثلاث «كمب ديفيد- أوسلو- وادي عربة». وكاد يغيب تماماً في 2011 مع الدمار الناجم عن «الربيع العربي».

والحقيقة فقد دخل هذا المفهوم في «تاريخ» الفكر السياسي المعاصر بعد ما كان حضوره قوياً خلال مئة عام خلَت. فما الذي أنجزه سابقاً حضور هذا المفهوم، وما الذي يمكن أن يحققه استحضاره اليوم؟

بدايةً، القضية المركزية للأمة العربية هي القضية الفلسطينية التي تتصل بالصراع و-ليس النزاع- العربي الصهيوني حول أرض فلسطين من البحر إلى النهر، وليس القدس فحسب أو القدس «الشريف».

لقد حقق طرح القضية المركزية سابقاً – وهو مايمكن أن يحققه اليوم – ترسيخاً للشعور القومي العربي، وفي الوقت نفسه دعماً مجتمعياً للحركة الوطنية في الأقطار العربية منذ مطلع القرن الماضي، فاندمج الكفاح من أجل القضية المركزية مع الكفاح في حركة الاستقلال العربي، فتكامل كفاح جيل كامل آمن الشعب العربي خلاله بأهمية التوحيد والتنسيق والتكامل إزاء العدوان الصهيوني، ما أدى إلى حضور واسع للفكر القومي، وبالتوازي لأقطاب الحركة الوطنية العربية في مختلف فئات الشعب وقطاعاته، ولذلك كان وعد بلفور أساساً وبداية لاستهداف الحركة الوطنية والمشروع القومي العربي، وبالمقابل أدى التصدي لهذا الوعد إلى تغذية هذين الحركة والمشروع معاً.

مع الأسف أضحت هذه السرديّة أمام أجيال اليوم سراباً، ولهذا أسباب؟.

لكن اليوم، ومع «صفقة القرن»، لم تعد السرديّة سراباً، صفقة يكون فيها قرار ترامب بشأن القدس جزءاً من كل. فلماذا هي صفقة «القرن»؟

قبل قرن من الزمن وبالضبط في شهر كانون الأول 1917 دخل الجنرال البريطاني اللنبي القدس وطرد العثمانيين منها وصرخ: «اليوم – 9/12/1917- انتهت الحروب الصليبية»، فهل تكون هناك ردة فعل عربية على قرار ترامب مشابهة لردّة الفعل التي أعقبت صرخة اللنبي ووعد بلفور، ولاسيما أن أوجه الشبه بين القرار والصرخة والوعد عديدة؟

ومن منطلق: تفاءلوا بالخير تجدوه، فإن الأمل لاينقطع من جذوة الروح الوطنية والعروبية وإن دخلت مؤقتاً في مرحلة الكمون، فقد كانت أغلب المظاهرات ضد القرار في الشارعين العربي والإسلامي من الجيل الشاب، وهذا مدلوله واعد. ولاسيما أننا أمام محور لمقاومة المشروع الصهيوني آخذ بالتمدد وبالفاعلية، مع العلم أن قرار ترامب تزامن مع التركيز على محاربة المقاومة ووصفها بالإرهاب وقد ساعدته في هذا الرجعية العربية.

إن مشروع مقاومة العدو الصهيوني يخدم أساساً القضية المركزية للأمة العربية، إذن هو مشروع عروبي وإن اجتهد التحالف الصهيوني الأمريكي الرجعي العربي لحرفه عن اتجاهه السياسي والاجتماعي الأصيل إلى مسارات عنصرية وطائفية ومذهبية.

هذا التحالف اليوم يكاد يفلح في جهوده الخبيثة لتطييف المقاومة بسبب طفو البترودولار وثقافة المأجورية والارتزاق والتطبيع، كما كان قد أفلح سابقاً قبل 40 عاماً في تطييف «الجهاد» إثر دخول السوفييت أفغانستان.

ومع ذلك فإن سرديات الخطاب العربي والإسلامي في الجامعة العربية، وفي قمة التعاون الإسلامي في اسطنبول إزاء قرار ترامب المدروس جيداً كانت بائسة، فلم يُذكر فيها كلمة العدو، ولا الصهيونية، ولا العقوبات ولا المقاطعة، باستثناء ماسمعناه من ممثلي محور المقاومة «لبنان-العراق -إيران».

والقرار مدروس جيداً لأن ترامب وفّى أولاً بوعده الانتخابي للقوة الانتخابية الأمريكية للأنجيليين الجدد وهم 24٪ من الناخبين الأمريكيين الذين انتخب 82٪ منهم ترامب، بينما قوة اليهود 1.5٪.  وهو مدروس أيضاً لأن الأمريكان وحلفاءهم في المنطقة أفلحوا في ترسيخ ثقافة القدس «الشريف».

والشريف -وإن كانت التسمية عثمانية أساساً- فهي في المصطلح الجيوسياسي المعاصر لا تعني «القيَم» بقدر ما تعني «الجغرافيا»، أي القدس الشرقية فقط. وهذا هو الشرَك الذي وقع فيه مؤتمر القمة الإسلامي عام 1975 حين استلم ملك المغرب الحسن الثاني «لجنة القدس الشريف» المنبثقة من المؤتمر الذي ركّز في غفلة منه على «الشريف» في تسمية دورة انعقاده تلك «دورة فلسطين والقدس الشريف».

وبالمقابل فـ«الشريف» أو الأرض المقدّسة Holy Land مصطلح تلمودي بلفوري -آنكلوسكسوني لا يكتفي بالقدس لا الشرقية ولا الغربية بل بيهودا والسامرا أيضاً وأكثر من ذلك. لقد اختلط الأمر إذن.

وعلى الأجيال الطالعة أن ترى فلسطين كلها «شريف»، وكل أرض يحتلّها الصهاينة هي «شريف» وليس فقط 1 كم2 من القدس، فالقدس «القدس» عاصمة فلسطين.

د. عبد اللطيف عمران