مساحة حرة

استراتيجية السقوط من القمة!

من المؤكد بان السياسة الأمريكية تراكمية وليست آنية وليدة الحظة، وهي مبنية على برامج وخطط مسبقة ذات بعد إستراتيجي ثابت مهما تبدلت الوسائل والأساليب التنفيذية التي تحكمها عوامل الميدان المتغيرة وفق الظروف، ومن الثابت أيضاً بان الرئيس “أي رئيس أمريكي” يلعب دوراً هاما في إخراج تلك السياسات إلى العلن وتحديد مراحل التنفيذ بما يتوافق مع رؤية وبرامج الدولة العميقة الحاكمة فعلياً في الولايات المتحدة، وقد لا يكون الرئيس ترامب قد خالف هذا النهج الاستعماري بمواقفه وقراراته العدوانية التي اتخذها مؤخراً، خاصة ما يتعلق منها بمدينة القدس الفلسطينية المحتلة او تدخله السافر بالشؤون الداخلية الإيرانية وتحريض بعض الإيرانيين على القيام بأعمال تخريب وفوضى داخل إيران، ومواقفه الانقلابية على باكستان الحليف التقليدي للولايت المتحدة في مواجهة الروس في افغانستان، لكنه اثبت من خلال قرارته الاخيرة الهوجاء فقدانه للحنكة السياسية والخبرة التي تُتيح له لعب دوره كرئيس وتُحيده عن طريق الخطيئة العلنية (الفضيحة) التي يستغلها حلفاؤه قبل اعدائه في تمرير مصالحهم الذاتية التي لا يستسيغها الرئيس التائه وينفذها رغماً عنه، واضح بان الاستراتيجية الامريكية الجديدة لاقت معارضة شديدة من القوى الكبرى بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا عرابي السياسة الامريكية العدوانية خلال العقود الماضية، ونقصد هنا فرنسا وبريطانيا وبقية الدول الاوروبية التي وجدت في المواقف والسياسات الامريكية الجديدة تهورا نحو السقوط الحتمي من القمة لتسليم راية قيادة العالم مرغمةً إلى محور القوى الصاعدة المعادية للنهج الامريكي الاستكباري، مما يؤدي إلى تهديد وربما نسف المصالح الغربية والأمريكية في منطقة الشرق الاوسط والعالم للمرحلة القادمة.

يرى العديد من المحللين ومنهم ” فيليب جيرالدي ” مدير مجلس المصلحة القومية الأمريكي بان إسرائيل والعائلة المالكة السعودية يتمتعان الآن بسياسة امريكية قادرة على تغطية كل خروقاتهما للقوانين الدولية وانتهاكهما لحقوق الإنسان في كل من الاراضي المحتلة واليمن وغيرهما، كما يُدركان بان الظروف القائمة لن تدوم طويلاً، سيما إذا ما تعرض ترامب وإدارته الفاسدة لاي طارئ يؤدي إلى تقليص صلاحياته بسبب الفضائح الكثيرة المتلاحقة عليه وعلى اسرته وخاصة بعد فشل خطته التي صاغها ووضع خططها صهر الرئيس جاريد كوشنر بالتنسيق مع محمد بن سلمان ولي عهد مملكة الرمال في زعزعة استقرار إيران التي رُسم لها برنامج محكم عبر غرفتي عمليات في كل من هرات الباكستانية وإربيل العراقية بقيادة مباشرة من ضابط الاستخبارات السابق اندرو لويس بيك الذي تم تعيينه من قبل ترامب نائباً لمساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون العراق وإيران.

وفق قراءات كثيرة منها ما هو امريكي وغربي اغلبها يُشير إلى ان الولايات المتحدة تسير بخطى متسارعة نحو هزيمة سياسية مدوية على المستوى الدولي تؤدي بها لخروج مذل من منطقة الشرق الاوسط، لذلك نرى بانها تلعب اليوم بكل اوراقها التي باتت مكشوفة تماماً لاعدائها في محور المقاومة وحلفائهم الروس، وإن محاولات الإدارة الامريكية استنهاض همم الإرهابيين ورفع معنوياتهم المنهارة عبر تزويدهم بالاسلحة الحديثة و الطائرات من دون طيار لضرب القواعد الروسية في الساحل السوري، ما هي إلا تعبير عن حالة الإفلاس والتخبط التي تهز الإدارة الامريكية نتيجة الانتصارات التي يحققها بواسل قواتنا المسلحة في ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم في كافة الجبهات وخاصة تحقيق الهزيمة بتنظيم داعش وتحرير مناطق كان يعتبرها محصنة، وكذلك إفشال المخطط الاخير لدخول العاصمة دمشق من محور إدارة المركبات في حرستا، وتنفيذ هجوم منظم على جبهات ريف حماه ودك حصون عناصر ما يُسمى بجبهة النصرة في ريف إدلب والقضاء عليهم، مما اثار جنون ترامب وجوقته في الرياض وتل ابيب، وما الاعتداءات الإسرائيلية الاخيرة إلا ردود افعال يائسة لتغيير الواقع الميداني الذي فرضه الجيش العربي السوري وحلفائه في الجنوب وفي ريف إدلب ومحاصرة قاعدة التنف الامريكية.

ليس مستبعداً على الرئيس ترامب في حمأة القرارات المجنونة التي يتخذها القيام بأي عمل من شأنه ان يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الجيش العربي السوري او القوات الروسية في سورية، لكن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاضية في هزيمة أمريكا لو حصل، وإن الجيش العربي السوري وحلفائه الذين انتصروا على أعتى العصابات الإرهابية المنظمة، بمقدوره ان يُلحق الهزيمة باي جيش مهما امتلك من قوة.

 

محمد عبد الكريم مصطفى