مساحة حرة

الرأي العام تحت وطأة التضليل؟!

بينما يواصل السوريون طرد الإرهابيين من منطقة إلى أخرى في ملحمة تاريخية تتكاتف فيها جموع الشعب السوري مع الحلفاء والأصدقاء لتطهير الأرض والعقول والإرادات والإدارات من جرائم حرب ظالمة وعدوان جائر عليهم وعلى هويتهم الوطنية ووعيهم وانتمائهم وأصالتهم العروبية والإنسانية، يظهر في الوقت ذاته انحسار آثار التضليل الإعلامي المعولم الذي استهدفهم، بل انكشاف أبعاد هذا التضليل وأهدافه وتعرّضه للفضيحة والهزيمة في وقت واحد.
كان التضليل مريراً بمنعكساته، وذا أثر تاريخي مفجع، تضافرت فيه جهود قوى كبرى معادية بإمكانات مادية ومهنية وتآمرية ضخمة، رأى بعضنا معه أن الحديث عن المؤامرة، كفعل وكنظرية، هروب من المسؤولية، وأن الاعتراف – بالمقابل – بقصور العامل الذاتي ضرورة أولية لا داعي للهرب منها، ليتضح مع توالي الأيام ومرور السنين أن هذا التضليل هو من الشواهد الكبرى على أن المؤامرة يقين وواقع بلا أدنى شك.
من يتابع الميديا العالمية وجلسات مجلس الأمن، والجمعية العامة، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة ذات الصلة، «أصدقاء الشعب السوري»، ومباحثات جنيف وفيينا وأستانا.. يعرف بدقة كيف حيكت جريمة التضليل عن عمد وعن قصد، وأن التضليل هو الجزء الظاهر من المؤامرة، وأن منطلق المؤامرة هو التضليل.
فمن المثير حقاً والمستغرب والمدهش كيف وقعت مؤسسات المجتمع الدولي وما يسمى بـ «الجامعة العربية» أسيرة تحت وطأة هذا التضليل، بل كانت على شراكة فيه ومعه. ويبدو أن الأمر كان طواعية، وعن رغبة ووعي وهدف، ولاسيما أن أدوات التضليل اعتمدت على تكنوقراط حرفيين مرتزقة من الإعلاميين والسياسيين والدبلوماسيين ومثقفي الارتزاق والارتهان لتتضافر الجهود الخبيثة للتأثير السلبي في الوعي الجمعي وفي الرأي العام. وفي المجتمع الدولي أيضاً.
ومن المثير أيضاً أن التضليل الذي أثّر في البيئات الحاضنة في مجتمعات الدول العربية كان لآثاره «مسوّغات» بسبب نجاحه في تخيّر بعض البيئات الهشّة التي لم تستطع الصمود أمام بطش سياسة «السيف أو الذهب»: قاتل لتنجُ، أو ارفض فتُقتل، انعكاساً لسياسة: من ليس معنا فهو ضدنا. بينما يصعب في الوقت نفسه التماس «مسوغات» لسقوط الرأي العام في الغرب تحت وطأة هذا التضليل، هذا الرأي الذي تُفاخر المجتمعات الغربية بقوته ومنَعته وتمتّعه بالوعي وبالحرية؟!، وإذ بنا نفاجأ بأن المجتمعات الغربية هي أيضاً أكثر هشاشة، وأضعف منَعة أمام جبروت هذا التضليل البترودولاري المعولم.
نادراً ما سمعنا في الميديا الغربية، وفي ديبلوماسية الأطلسي حقيقة ما يجري من جرم إرهابي تكفيري واقعي ومشهود، وكان الغرب برأيه العام وبدبلوماسيّيه ورجال القرار فيها يرزح أسيراً تحت وطأة التعتيم الإعلامي لحقيقة الوجود والجرم الإرهابي في سورية تحديداً، وكأن هؤلاء لا يسمعون – يتجاهلون – مثلاً اتخاذ المدنيين الأبرياء تحت وطأة الضرورة بيئة حاضنة من جهة، ودروعاً بشرية من جهة ثانية. ففي هذه الحالة لماذا لا يوجد مراسلون غربيون، ولا كاميرات ولا تقارير قادرة على رصد هذا ونقل مآسيه إلى الرأي العام وإلى المجتمع الدولي؟!، وهنا لماذا لا يستطيع المراسل الغربي إجراء مقابلات حقيقية ذات مصداقية، ولماذا لا يستطيع أيضاً أن يعتمد الشك أو التحليل منهجاً للنظر فيما إذا كانت الصور التي تصل إليه من مراسلي الإرهابيين ومشغليهم مفبركة ومسيّسة ومدبلجة؟!.
ولعل هذا ما دفع بالكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك ليتساءل ساخراً: «ما الذي يفعله في هذه الحالة قديسو الأمم المتحدة؟!»، وليتابع مقرراً: «بعد هذه الفضائح فإن أي إدانة غربية لن توقف ما يجري من عزم على تطهير كامل الأرض السورية من الإرهابيين… نحن مفلسون».
والآن: بعد صمود سورية قائداً وشعباً وجيشاً، وبعد المقابلات الحقيقية الحيّة الواقعية مع جماهير شعبنا في الغوطة الشرقية – أنموذجاً ومثالاً – وبعد التقارير الإعلامية المصورة لتقنية حفر وتجهيز الأنفاق «التاريخية»، وللأغذية والأدوية والوثائق المحروقة من قبل الإرهابيين المشردين، والمهجّرين بعد أن هجّروا، كيف وإلى من سيرتد جرم التضليل الإعلامي؟!
هذا التضليل الذي لم يكن إعلامياً فقط بل له منعكسات سلبية سياسياً واقتصادياً «عقوبات جائرة» وعسكرياً وقعت في شرَكه قرارات أممية وأطلسية ورجعية عربية وعثمانية، وها هو اليوم ينفضح ويتضعضع ويتهاوى أمام صمود الجمهورية العربية السورية والجيش العربي السوري، وشجاعة وحكمة القائد بشار الأسد.
هذا يستدعي بل يتطلب بالضرورة بحثاً في سيكولوجيا القهر والحصار، وإعادة النظر في إشكالية «البيئة الحاضنة» المغلوبة على أمرها أمام وحوش العصر الذين تاجروا بالوطن وبالعروبة وبالإسلام.
وأمام المحاولة العبثية لتكريس القدرة على تشويه الأفق الحضاري لعضوية الصلة بين العروبة والإسلام، بين الوطني والعروبي، بين الحق والحقيقة. وأمام هذا التضليل:
في المستقبل القريب والبعيد سيجد الباحث والمؤرخ وطالب العلم والمعرفة في لقاءات سيادة الرئيس بشار الأسد وأحاديثه الغنية والطويلة خلال سني الأزمة مصدراً حقيقياً ومرجعاً واقعياً لا غنى عنه لأصالة الباحث والمؤرخ الوطني والعروبي في سبيل قراءة موضوعية تحليلية علمية صادقة للأزمة الوطنية والعربية، وستكون الأفكار التي طرحها سيادته من أهم المصادر، ومن أصدق المراجع في الأكاديميات ومراكز الأبحاث في المنطقة والعالم.

د. عبد اللطيف عمران