سورية

هكذا سرق الإرهاب أحلام الطفل عبدالله في حلب

لم يكن يعرف الطفل عبدالله البالغ من العمر عشر سنوات ما سيحل به في ذلك اليوم قبل سنتين من الآن، ولم يدرك حينها أنه سيتحول إلى طفل مشلول يجلس على كرسي متحرك لعدة سنوات لعدم قدرة أهله على مواصلة علاجه الفيزيائي المستمر لتقوية عضلات قدميه الصغيرتين اللتين لا تقويان على حمل جسده النحيل.

الطفل عبدالله في العام 2016 وأثناء ذهابه إلى معهد تعليمي في منطقة سكة قطار بغداد في مدينة حلب سقطت قذيفة هاون إرهابية أصابت هذا الطفل بشظايا في ظهره وقلبه، قبل ان يصل إلى معهده فأردته ارضا والدم ينزف من ثيابه، وليكون ذلك اليوم علامة فارقة في حياة هذا الطفل وعائلته التي نزحت من منزلها في حي كرم النزهة، بسبب الهجوم الإرهابي الذي استهدف الأحياء الشرقية من مدينة حلب.

وخسر الطفل عبدالله سنة دراسية كاملة، بسبب الحادث الذي تعرض له قبل سنتين، واليوم تعود عائلة عبدالله إلى منزلهم في حي كرم النزهة المدمر بالاحياء الشرقية لحلب، لتجد البيت شبه مدمر ومحروق، ولتضطر للسكن في منزل قريب من بيتهم، ويعيش هذا الطفل مع ذكرياته المؤلمة في غرفته الصغيرة مع بعض العابه البسيطة، محاولا التأقلم مع وضعه الجديد.

الطفل عبدلله حاله حال الالاف من الأطفال الذين أصيبوا جراء الحرب الإرهابية على سورية منذ أكثر من سبع سنوات، فقسم كبير منهم أصيب اما بقذائف هاون عشوائية كان تطلقها المجموعات الإرهابية على الاحياء السكنية في عموم المحافظات السورية، أو برصاص القنص أو التفجيرات بسيارات مفخخة اثناء ذهابهم إلى المدراس مع ساعات الصباح الباكر، لتحول حياتهم البريئة إلى مأساة حقيقية.

واصطحب والد عبدالله الفقير ابنه إلى عدة أطباء بهدف إعادة البسمة على وجه الطفل الصغير الذي يقضي معظم وقته بداخل غرفة شبه مظلمة، لكن مع الأسف كانت الشظايا التي اصابت جسده الغض قوية واثرت بشكل مباشر على الاعصاب بالقرب من العمود الفقري، في حين ما يزال هناك أمل صغير ينذر بشفاء الطفل عبدالله في حال توفر له العلاج الفيزيائي المستمر، لأنه يشعر بقدميه، وهذا يعطي مؤشرا وأملا بالشفاء.

وروى الطفل عبدالله الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، بكثير من الحزن وهو يجلس على كرسيه المتحرك أنه في شهر يوليو من عام 2016 كان ذاهب إلى معهده لكي يتابع تحصيله العلمي، وقبل وصوله إلى المعهد سقطت قذيفة هاون وخرجت منها شظايا استقرت بعضها في ظهره فسببت له شللا نصفيا، وحولته إلى طفل معاق لا يستطيع المشي على قدميه.

وتابع يقول والدموع كادت ان تسقط من عينيه البريئتين “هذه الشظايا اللعينة سرقت مني طفولتي، ومنعتني من اللعب بالكرة مع رفاقي”، معربا عن تمنياته بأن يتمكن من المشي على قدميه كي يلعب مع رفاقه بالكرة في حيه المدمر.

وأضاف “في البداية لم اكن أعلم بأنني مصاب بشلل نصفي، وانني لم أتمكن من النزول إلى الحي لكي العب مع رفاقي”، ولكن عدم قدرتي على الوقوف شعرت بالحزن والقهر من هذه الحرب”.

كانت أيامه الأصعب هي الأشهر السبعة الأولى بعد الحادث، حيث بقي في الداخل مع أخواته السبعة يشعر بالوحدة لأنه كان غير قادر على الجري أو لعب مباراة كرة القدم المفضلة مع أصدقائه.

على الرغم من حالته الصعبة، يحافظ عبد الله على ابتسامته وعيناه تلمعان وتؤثران في نفوس من ينظر اليه، وتجعله متغلبا على إعاقته وكانه رجل شجاع لا يهاب شيئا.

وقال إنه يريد أن يصبح في المستقبل طبيب أطفال كي يعالج الأطفال المصابين ويقدم لهم الدعم اللازم.

وأشار عبدالله إلى أن هناك أطفالا في المدرسة التي يتعلم فيها والتي تبعد عن منزله مسافة نصف ساعة مشي على كرسي متحرك، تضرروا من هذه الحرب وهم يتحركون مثله على كرسي متحرك.

اما أخته قمر وعمرها 9 سنوات، وهي اصغر منه بسنة كانت معه أثناء سقوط قذيفة الهاون ولكنها لم تصب بأذى مثل أخيها ونجت من الموت والإصابة القوية.

وقالت “عندما سقطت قذيفة الهاون بالقرب منا، وأمسكت إحدى المدرسات في المعهد بيدي وسحبتني إلى داخل المبنى .. وأنا كنت خائفة جدا وسمعت صوت والدي وهو ينادي باسمي بصوت عال ومرتجف”.

ولم تستطع التحدث في البداية لشدة الصدمة، وكانت تشعر بالبرد عندما وضعها والدها وشقيقها داخل سيارة الأجرة الخاصة التي يعمل عليها والد عبدالله.

وأضافت الفتاة “شعرت بالبرودة ولم أعرف لماذا ولكن بعد ذلك رأيت الدم تحتي على مقعد السيارة وأدركت أني مصابة أيضا”.

بعد الحادث، بقيت قمر هي المساعدة الرئيسية لأخيها عندما لا يكون والد عبدالله موجودا، وتساعده في الأمور الأساسية التي لم يعد يستطيع القيام بها بمفرده.

وقالت إن “عبد الله لا يستطيع التحرك بسرعة كبيرة أو المشي بسرعة لذلك أمشي إلى جانبه لنجلس بالقرب من صخرة في الحي ونلعب سويا”.

ومضت تقول وصوتها يرتجف من شدة الحزن على أخيها: “أتمنى حقًا أن يتمكن أخي من الوقوف مرة أخرى واللعب مع أصدقائه كما كان من قبل”.

والده، وهو موظف حكومي في الصباح وسائق سيارة أجرة في المساء، عادة ما يحمله على الدرج حتى يصل إلى مدخل المبنى في حي مدمر في المنطقة التي دمرها الإرهابيون في السابق.

ويروى بحزن وحسرة شديدة ما حدث مع ابنه عبدالله الذي تحول إلى طفل مشلول، وحرم من أحلام الطفولة البريئة بسبب تلك الحرب التي شهدتها حلب.

وقال محمد عبد الرحمن 45 عاما، والد عبدالله “الآن عبدالله يتحرك على كرسي متحرك، يقضي معظم وقته حزينا خاصة عندما ينزل إلى الشارع ويشاهد أصدقائه يلعبون بالكرة، وهو لا يستطيع فعل ذلك”، مشيرا إلى أن وضعه المادي لا يسمح له بمتابعة علاج ولده الذي يتطلب أموالا طائلة، وهو لا يستطيع فعل ذلك.

كما قالت امينة، والدة عبدالله وهي ربة منزل تبلغ من العمر 32 عاما أم لسبعة أطفال، وهي تنظر إلى طفلها عبدالله، المقعد بكثير من الحزن والألم “كانت الصدمة كبيرة جدا عندما علمت بأن عبدالله وقمر اصيبا بشظايا قذيفة هاون”.

وتنهدت والدة عبدالله وهي تتحدث أمام المنزل الذي تسكن به العائلة “حياتنا كلها تغيرت بعد إصابة عبدالله وتحوله إلى طفل مقعد.. وهناك دائما في غصة بقلبي انا عبدالله لا يستطيع المشي واللعب مع رفاقه”.

وقالت والدموع تذرف من عيناها “ابكي كثيرا عندما أرى عبدالله الجالس على كرسيه المتحرك امام المنزل.. وأشاهده وهو يبكي لما آلت اليه حالته”، معربة عن تمنياتها ان يشفى عبدالله ويعود طفل يلعب مثل رفاقه بالكرة.

الحرب على سوريا تركت اثارا سلبية في نفوس السوريين، فشردت الكثير منهم من منازلهم، وقلبت أحوال الكثير من الناس، وأحزنت كثيرين، لكن يبقى الامل معقودا في نفوس من بقي حيا أن تنتهي تلك الحرب، ويعود الأمن والاستقرار لهذا البلد الذي امضى اكثر من 7 سنوات من الحرب وما تزال الازمة مستمرة.

البعث ميديا || حلب – منذر الشوفي