مساحة حرة

صفقة القرن ومعركة التغيير الجيوسياسي؟

منذ نشأة الحركة الصهيونية وضعت احتلال فلسطين والاستيطان فيها وتهجير أهلها في مقدمة أهدافها، ومن ضمن نقاط الضعف التي كانت تُميز المجتمع العربي، تم التركيز على استثمار عناصر الخلاف والتفرقة التي كانت ولم تزل مستمرة بين شعوب المنطقة العربية وأهمها وأخطرها العامل الديني، لذلك كان إنشاء تنظيم الإخوان المسلمين المبني على منهج التكفير والإقصاء خطوة مهمة في تسهيل وقبول فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين العربية، سيما وأن الإخوان المسلمون يُعشش في أذهانهم حلم إعادة بناء الخلافة الإسلامية ولو أدى ذلك إلى تدمير الجسد العربي والقضاء عليه كاملا مع أنه يتآكل ذاتياً بفعل عوامل داخلية مختلفة أهمها وأخطرها العامل الديني، مما سهل الطريق أمام المشروع الصهيوني وشكل له حاملاً طبيعياً وجسراً واسعاً للولايات المتحدة (ومن خلفها إسرائيل) لتنفيذ بقية المشاريع التآمرية على الجغرافيا العربية بكاملها وخلق بيئة سياسية وديموغرافية مناسبة لاستمرار السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بكاملها وجعلها قاعدة يتم الانطلاق منها للتحكم بمقدرات العالم بأسره.

وقد نجح محور المقاومة إلى حدٍ بعيد في وقف تلك المشاريع وإفشالها بالكامل على مدى العقدين الأخيرين إن لم يكن على مستوى المنطقة كلها، على أقل تقدير في سورية ولبنان والعراق حيث تم هزيمة مشروع ما يُسمى ” بدولة الخلافة الإسلامية ” وتوابعها كأخطر بنية فكرية وإيديولوجية وعسكرية اجتاحت تلك الدول مدعومة بمليارات الدولارات وأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة، حيث تمكن محور المقاومة الذي تقوده سورية من إلحاق الهزيمة بهذا المشروع العميل، وسحق أدواته دون هوادة في أغلب الجغرافية العراقية والسورية التي شكلت ساحة المعركة الحقيقية، وقد أعطت معركة الجنوب السوري الذي رسم خطوطها الأساسية الجيش العربي السوري وحلفائه مؤشراً هاماً على قرب التخلص من كافة التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية، وهذا ما أقلق حكومة الكيان الصهيوني المشغل والراعي الأساسي لهذه التنظيمات في تلك المنطقة، سيما بعد أن أرسل الأمريكي رسالة واضحة تؤكد تنازل الإدارة الأمريكية عنهم وترك مصيرهم الأسود في مواجهة بواسل الجيش العربي السوري الذي حاصر المنطقة وبدأ بتحركه المدروس بدقة.

 السؤال الذي يطرح ذاته بقوة هو : هل تُعبر رسالة “ترامب” لإرهابيي الجنوب عن استسلام أمريكي واعتراف بفشل دور هذه التنظيمات وتركها تحل مشكلتها بنفسها ؟ أم لدى الإدارة الأمريكية موضوع أهم عليها إنجازه أثناء معركة الجنوب ألا وهو تمرير صفقة القرن؟

في الواقع يُعد مشروع ما يُطلقون عليه “بصفقة القرن” أو (بيع كامل فلسطين وشراء سيناء للفلسطينيين) من أخطر ما أُحيك ضد منطقتنا العربية في العصر الحديث، كونه يحمل في طياته تغييرات جيواسراتيجية ضخمة تعهدت إدارة ترامب بتنفيذها، أهمها إنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل، وتجاوز كافة الحقوق الطبيعية والقانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة أرض أبائه وأجداده، كانت الخطوة الأولى باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدويلات والدول التابعة لها بالقدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني، وهذا حصل فعلاً بموافقة غير معلنة من أنظمة عربية عديدة على رأسها السعودية ومصر وغيرهم، سيليها خطوات متتابعة وسريعة أشد خطراً نشرها بالتفصيل الممل مركز فيريل ( Firel ) للدراسات،أهمها تشكيل دولة فلسطينية على قطاع صغير من فلسطين واعتبار أبو ديس عاصمتها كمرحلة أولى ومن ثم إنشاء فلسطين الجديدة على نصف مساحة سيناء ( أي على مساحة تُقدر بـ/ 30 / ألف كيلومتر مربع ) كلفتها التقديرية حوالي ( 2500 مليار دولار أمريكي ) تدفع دول الخليج / 1500/ مليار دولار وتتكفل الدول الأوروبية بدفع / 700 / مليار دولار، واليابان وكوريا / 300 / مليار دولار، مدة التنفيذ عشرون عاماً، يتم بعدها تسليم كامل فلسطين للكيان الصهيوني ونقل دولة فلسطين إلى سيناء مقر الدولة الفلسطينية الجديد، وأكد المركز المذكور (  Firel  ) بأن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان تكفل أمام ترامب بتمرير الصفقة وفرضها على محمود عباس الذي لم يزل يراوغ أمام شعبه.

بقي أن نذكر بأن الشعب الفلسطيني الذي قد تضحيات ضخمة ودماء لا تُقدر بثمن على مدى سبعة عقود ماضية بمساعدة ومشاركة أشقائه المخلصين في سورية وغيرها، لن يكون لقمة سائغة وسهلة المضغ أمام أكاذيب وخيانات البعض سواء من محور الأعداء أو من أبناء جلدته ممن يُهرولون خلف فتاة أمريكا ومشيخات الخليج العميلة التي تعهدت تنفيذ هذا الدور القذر بالتعاون والتنسيق مع رئيس النظام التركي المجدد ولايته بعد تقديم تعهدات سرية أمام سيده الأمريكي والإسرائيلي بتسهيل مرور كافة المشاريع الاستعمارية الجديدة المبيتة للمنطقة وفق صفقة القرن المزعومة.

في النتيجة ووفق منطق التطورات الميدانية والتشابكات السياسية الجارية على الأرض، فإن من يمتلك حق رسم الخرائط الجديدة، وتحديد الأدوار وتوزيعها بين اللاعبين الأساسيين هو المنتصر الحقيقي في المعركة، سيما وأنه يمتلك الجغرافيا بكل أبعادها برا وبحرا وجوا، وهو الجيش العربي السوري الباسل وحلفائه في محور المقاومة وشركائه الذين يخوضون معركة مصيرية ليس دفاعاً عن سورية الواحدة الموحدة فحسب، بل كذلك عن مصير العالم بأسره وعن مستقبله في ظل وجود قيادات رعناء ومتهورة خلف مصالحها الضيقة في المحور الآخر، البعيدة كل البعد عن مصالح وتطلعات الشعوب.

 

محمد عبد الكريم مصطفى