الشريط الاخباريمحليات

ما يذهب هدرا شتاء نبحث عنه صيفا.. ثروتنا المائية إلى أين؟

ليس ثمة شك في وجود علاقة عضوية وطيدة بين الآمن المائي وبين الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وأن تحقيق الأول يقود إلى تحقيق الثاني، فضلا عن أن فقدان الأول ينتهي موضوعيا إلى فقدان الثاني.

قلة المياه تؤدي إلى قلة الغذاء، من هنا نرى اهتماما بالغا هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، بإشكالية الأمن المائي في علاقته بالآمن الغذائي، فعندما ندرك بأن عددا من آبار مياه الشرب قد جفت، وليس شحت، في ريف مصياف، وهي الأكثر إمطارا، فهذا مؤشر خطير على أننا مقبلون على سنوات عجاف، ما لم ينتهي التغيير المناخي الحاد والجاف.

هذه القضية لا تحظى باهتمام الحكومة إلا باستحياء، أو تمر سيرتها مرور الكرام، حيث تتم الإشارة إلى ضرورة إقامة المزيد من السدات والخزانات المائية، وهنا انتهى كل شيء.

فبأي السبل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المياه وحمايته كشرط أساسي لتحسين الوضع الغذائي؟

البحبوحة التي ننعم بها الآن، من فائض الإنتاج الذي يغرق الأسواق في بعض من منتجاته، يجب ألا تجعلنا ننام في العسل ونركن جانبا، فالعمل الجاد لحفظ مياه الأمطار شتاء، حتى وإن كان في مستنقعات مائية نظيفة، باعتبار أن هناك مقولة تقول «ليس من الحكمة البحث عن حلول في معمعة المشاكل بل العبرة في تجنبهاۗ»، حالها كحال المأثور الذي يقول «ليس من الحكمة تغيير الخيول في ساعات الوغى وشدة المعارك».

إشارات استفهام محورية

ما نشهده منذ عدة سنوات لجهة قلة الواردات المائية الهاطلة، جعلت مناسيب السدود الموجودة لدينا تتراجع بشكل مخيف، ومثالنا على ذلك من سدي محردة والرستن وقطينة، فجميعها دون الحجم الميت، ما جعل من الزراعات على ضفاف مجاري هذه السدود، بدء من محافظة حمص مرورا بحماة وصولا إلى أقصى أراضي سهل الغاب وحتى عين الزرقا بمحافظة إدلب، تتراجع، حتى تلك التي تروى من مياه الآبار، فانخفاض المناسيب فيها يتطلب إلى المزيد من المحروقات لانتشال المياه ورفعها إلى مستوى سطح التربة، في الوقت الذي يؤكد فيه المزارعون أولا شح ونضوب مياه هذه الآبار، وهذا ما أكده مدير عام مياه حماة الدكتور مطيع عبشي، حين أشار قبل أيام إلى نضوب آبار لمياه الشرب في مدينة مصياف وقرية ربعو وغيرهما.

وهاهي الأصوات ترتفع من قرى العبر والشجر والخندق في ريف حماة بسبب قلة مياه الشرب، إذن نحن أمام واقع لا يمكن تجاهله، ما يطرح عددا من إشارات الاستفهام  محورية يأتي في مقدمتها،  ماذا فعلنا لتلافي شح المياه مستقبلا.. هل شرحنا معالم المشكلة للوقوف عندها كونها من أهم المشكلات التي سنواجهها خلال السنوات القادمة، وفقا لما يتحدث به المتنبئون وخبراء البيئة، وما نشهده من جفاف وتغيير مناخ حاد، الذي يضرب المنطقة منذ سنوات يشي بوجود أزمة مائية خانقة ما لم تتخذ الحكومة العديد من التدابير الاحترازية منها على سبيل المثال :

الشروع في إقامة ما تم إقراره منذ أكثر من ستة عشر عاما من خزانات مائية في كافة المحافظات السورية، وكذلك السدات بقصد الاستفادة من مياه الأمطار وعدم ضياعها وبغير ذلك سيكون هناك مسا فظيعا بمصدر الحياة.

الحكومة أقرت والحكومة أجلت

في اجتماعها قبل أسابيع من الآن، أقرت الحكومة بضرورة إقامة خزانات مائية في المحافظات السورية للاستفادة من مياه الأمطار، وهذه خطوة وبادرة جيدة، لكن تأجيل البت والشروع فيها على أرض الواقع يجعلها في خبر كان، أي يصبح حالها كحال تأهيل سدود أفاميا الخارجة من الخدمة منذ ربع قرن.

ولعل تراجع إنتاجنا من القمح، خلال السنوات الأربع الماضية، يشير بما لا يدع مجالا للشك بأن غياب المصادر المائية سببا، ومحصول القطن مثالا أخر، نظرا لحاجته الكبيرة من المياه.

إذن يتعلق الأمر بالماء في علاقته بالغذاء، فالأول ضروري للثاني ومكمل له، بل وكلاهما أساس وجود كل كائن حي وركيزة طاقته، ولأنه أيضا يشكل القاعدة الأساسية للتطور الصناعي والتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، ويوقف عملية ترييف المدن.

ناقوس خطر

مدير عام مياه حماة صرح أنه لو أخذت الجهات المعنية، التي قامت بفتح آبار مياه الشرب منذ بدايتها، لما شهدنا مشكلة واحدة تتعلق بمياه الشرب، وأضاف عبشي بأنه تم تغير وتبديل عشرات الشبكات وتعميق عشرات الآبار للحفاظ على المناسيب الثابتة صيفا وشتاء.

وأشار إلى تحسن الواقع المائي لجهة مياه الشرب، لولا أن نتخذ تلك الخطوات لكانت المشكلة الآن اكبر، ونتابع الآن باهتمام وفقا لبرامج وخطط المؤسسة إيجاد الحلول المناسبة لمياه الشرب للسنوات القادمة.

وأضاف المهندس مطيع بأنه كان من المفترض أن يُدَق ناقوس الخطر قبل سنوات من الآن، لكن تأخر المعنيين حينذاك فاقم الوضع الآن، بسبب العجز المائي الذي وصلنا إليه في بعض المواقع، جراء الجفاف وقلة الهاطل المطري، ما افقد الطبيعة توازنها البيئي وهو الهش الطبيعة.

باختصار من يقرأ بإمعان تقارير المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية، يدرك مدى تقلص وتراجع الثروة المائية، في الوقت الذي تعتمد مئات الآلاف من الهكتارات للزراعة البعلية جراء قلة الهطولات المطرية، والذي بات يشكل أحيانا من 70 و75%، والباقي تمثل الزراعات المروية.

إن العجز المائي يحتاج إلى اهتمام بالغ، ويجب أن يوضع في أولويات الحكومة، فهو دينامو حركة القطاعين الزراعي والصناعي والنمو الحضاري وزيادة ميزاننا التجاري والاقتصادي.. أما أن نوضع في برامجنا دراسة خزانات مائية وسدات وننام عليه سنوات فهنا الطامة الكبرى..

البعث ميديا || حماة – محمد فرحة