ثقافة وفنسلايد

النحات جدعان قرضاب: الألم ككرة الثلج يكفي أن يصيبنا مرة واحدة

يعمل النحات جدعان قرضاب، منذ سنوات عديدة على مشروعه النحتي كفنان متألق في عالم النحت.. النحت الذي يتطلب الكثير من الصبر والتأمل والجهد. قدم العديد من الأعمال التي تحفل باشتغالات وإبداعات على غاية من الأهمية، أقام العديد من المعارض وحاز عدة جوائز. بدأ النحت منذ ثمانينيات القرن الماضي، على الخشب والجبصين، مع الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلم والفنان المصري محمد هجرس، ومع مصطفى الحلاج. ثم تابع رحلته مع( البوليستر) وحط الرحال عند حجر البازلت، هذا الحجر الذي تتدرج ألوانه الساحرة من الأسود إلى الأزرق.  جدعان قرضاب الفنان النحات والمحامي والقاص التقاه موقع “البعث ميديا” وكان هذا الحوار .

لنبدأ من العمل النحتي الجماعي (الصخرة الأقوى). هذا العمل الذي حظي بتكريم من السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد. أنت اشتغلت على الوجه الثاني لهذا العمل النحتي الكبير من البازلت، حبذا لو تحدثنا عن الوجه الثاني للصخرة الذي اشتغلت عليه ؟

الوجه الثاني يحكي عن حكاية المقاومة والتضحية ويتمثل بالقصة المشهورة في جبل العرب، في قصة (سكتي أبنك ياحرمة) وهي قصة الأم التي آثرت أن تضحي بابنها مقابل إنقاذ العديد من الثوار وعائلاتهم، الذين احتموا في إحدى المغاور هربا من جيش للاحتلال الفرنسي، والذي كاد أن يفضح وجودهم هناك صوت بكاء الطفل. العمل موجود حاليا في أهم ساحات مدينة السويداء، ساحة تشرين. شارك فيه مجموعة من النحاتين: ( فؤاد أبو عساف – يحيى سريوي- بهاء غرز الدين- نجود الشومري – هويدا أبو حمدان – جدعان قرضاب).

محمود درويش، ناجي العلي وسواهم، رموز تتكرر في أعمالك النحتية، ماذا يعني هذا الترميز؟

محمود درويش وناجي العلي كانا يبحثان عن علة وجودهما وكانت القضية والوطن، ناجي العلي بشّر بشخصية حنظلة التي عاشت معه مثقلة بالحزن والألم ومرارة الاغتراب، ولم تمت مع موته، لقد قرأت حنظلة في أعمالي كأسطورة قادمة من الجحيم ومتجهة نحو اللانهاية بقدمين مثقلتين بالحزن والألم، إن محمود وناجي قد هيجا غضب الكون دفاعا عن القضية وحوّلا الأوراق العادية إلى ألسنة ناطقة، وكانت أعمالهما موجّهة للذين تسيل من جراحاتهم ألسنة اللهب والذين تهتز سلالهم كقصف الرعد، فكيف لاننحاز لها.

شخصيات منحوتاتك منسوجة من قهر وعزلة، أنت منحاز للمساكين والبسطاء والفقراء، إلى أين تنوي المضي بهذه الشخصيات ؟

أعمالي المرابع، المرأة التي تحتضن الأرض، مجموعة الطواطم بأشكالها المختلفة، لايمكن اعتبارها استحضارا للألم الذي عانته تلك الشخصيات في الزمن الماضي، ولكن باستمرار تلك الآلام والأحزان التي تجتاح البشر في هذا الزمن فالألم ككرة الثلج يكفي أن يصيبنا مرة واحدة حتى تنساق ورائها أشكال من الألم لاحصر لها. إن بعض تلك الأعمال لشخصيات رمزية مقهورة ومكورة، وذلك بسبب العولمة والاحتباس الحراري، ولكن انسياب سطوحها وحركات الاستدارة في معظم أجزائها تجعلها حية متحولة ومرتبطة بما حملته تلك الأعمال من قصص وحكايات وشجون يطول شرحها، وباختصار إن الاغتراب الذي يبدو على معظم أعمالي من تكوّر وانحناء ليس نقيضا تاريخيا أو حضاريا أو فكريا للهوية أو الانتماء بل هو حالة نفسية تعكس ضميرا مأزوما ووجدانا ممزقا، وفراغا روحيا رهيبا واستلابا ماديا تركه عليها الظلم والقسوة وازدحام خيارات هذا الزمن، إن البسطاء هم اللذين وجد الفن لتمجيد أعمالهم.

للميثولوجيا  حضور بارز ولافت في أعمالك النحتية، وكثيرا مانجد المحور الأساس المرأة لهذه الميثولوجيا. من أين تستقي أساطيرك؟

المرأة مقولة لاتقبل التحوير والذوبان وفقدان الهوية، هي الحلم ومحرضة الخيال وملهمة المبدعين والفرسان. أبرزتها في أعمالي تلتف حول الأرض لتحميها من الظلم والدمار والكراهية ، وأبرزتها أما تحتضن ابنها الشهيد، وفي لوحتين من الخشب النافر بدت المرأة في أعمالي ففي اللوحة الأولى تزيح بيدها حجب الظلام  عن وجه الحياة وفي الثانية توقد بيديها الساحرتين الشمس لتشع بنورها على كل جنبات الكون لتوقظ الحياة بكل أشكالها وتنوعها. أما من أين أستقي أساطيري فالمرأة هي الأسطورة المركزية عبر التاريخ حملت عبء الولادة والفرح والحب والجور، وهي بالتالي الصورة الكونية للقدر الإنساني في جميع صوره وتحولاته.

أين تضع تجربتك النحتية في المشهد النحتي السوري ؟

إذا كان الفن في بلدنا يخضع لمقولة الصفوف الأمامية والخلفية، فإن البسطاء مثلي عسى أن يجدوا موطئ قدم في أخر تلك الصفوف، ولكن ذلك لن يكون محبطا بالقدر الذي يكون فيه دافعا لتقديم المزيد، باختصار الأشقياء في هذه الدنيا اثنان الساعي وراء الشهرة والساعي وراء المال .

إضافة للنحت تكتب القصة القصيرة. وقد صدرت لك مجموعة قصصية بعنوان (ذاكرة قرية)، هل هي استراحة المحارب؟

ليست استراحة محارب بما تعنيه العبارة، لربما هي نزوح آخر من طقس النحت المتداخل في كينونتي.نزوح طارئ وممكن أن يكون ذهاب عاجل  نحو فن القص الذي أحبه أيضا، وهو الذي لن يسرقني من عشقي الأول والأبدي النحت.

البعث ميديا || خاص – حاوره: أحمد عساف