مساحة حرة

نحــو تفعيـل حضــور الحــزب


يتنامى الشعور لدى البعثيين، ومعهم جماهير شعبنا بضرورة حضور الحزب في الحياة العامة، في المجتمع وفي مؤسسات الدولة، حضوراً أبعد من المسألة التنظيمية والمؤسساتية بالرغم من أهميتها. فقد رصد الإعلام الحزبي خلال شهرين المناخ العام الذي ساد مداخلات الرفاق ومقترحاتهم في المؤتمرات السنوية للفرق والشعب الحزبية في فروع المحافظات والجامعات والذي قدّم مؤشرات مهمة عن السعي الحثيث لتوطيد دور الحزب وتجديد حضوره في ظل التحديات التي يواجهها وتواجهها معه مؤسسات الدولة الوطنية كافة في زمن صعب ننتقل فيه من أزمة المشروع القومي العربي إلى أزمة المشروع الوطني العربي. لا شك في أن الحزب “يكاد” ينجح في نزوعه نحو تجديد حضوره وتوطيده، وإضفاء ملامح ومهام متجددة ناجزة في العمل الحزبي، مستفيداً، كما يبدو، في مؤتمرات هذا العام من عدد من المعطيات الجديدة، لعل أبرزها التالي: 1- أهمية ما أضافه الرفيق الأمين العام للحزب الرئيس بشار الأسد من توجهات وتوجيهات في عمل مؤسسات الحزب وكوادره، ومنطلقاته وأساليبه، ولا سيما في كلمته في افتتاح أعمال اللجنة المركزية في 7/10/2018، وكذلك في عمل مؤسسات الدولة خاصة في حديث سيادته في مجلس الوزراء في 29/11/2018، وأمام رؤساء المجالس المحلية في 18/2/2019 حيث بادرت مؤسسات الحزب المركزية والفرعية إلى تشكيل لجان عديدة تستفيد من هذا في بحثها عن تفعيل حضور الحزب الاجتماعي والسياسي والثقافي والخدمي أيضاً، وإقرار الصيغ وورقات العمل اللازمة لذلك. 2- الإنجازات التي حققها صمود رفاقنا في جيشنا العقائدي الباسل ومنعكساتها الإيجابية على الحياة العامة وفي مؤسسات الحزب والدولة، وعلى الشارع والرأي العام العربي والتي أكدت أن هناك مشروعاً تآمرياً إقليمياً ودولياً على الشعب وعلى الأوطان وعلى الأمة أيضاً. هذا الجيش الذي يستلهم عقائديته من: مركزية القضية الفلسطينية – ومن الروح البعثية التي كانت ولاتزال ترى أن العدو الأساسي أو الصراع الأساسي هو مع التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي. 3- افتضاح الدور المخزي للذين راهنوا على نجاح المشروع التخريبي للتحالف المذكور، وانكشافهم كمرتزقة ومأجورين فاشلين لم يبقَ أمامهم من ملاذ إلا البحث عمّن يشتري ما تبقى في أجسادهم الخائرة من تافه العقل والضمير والرؤى، في وقت لم يعد يحفل فيه المشتري بالبائع لخساسة العرض ونذالة العارض. هذا يعطي العقائدية والمبدئية فرصة تاريخية مهمة يجب استغلالها بنجاح. 4- دخول الحياة السياسية الإقليمية والدولية في معترك جديد أبرز ملامحه الاضطراب وعدم الاستقرار، وتنازع “النفوذ”، والاضطرار إلى البحث عن صيغ يُنتقل فيها من التنازع إلى التوازن، ما أرهق المجتمع الدولي، ولاسيما الدول الطامحة إلى اللحاق أو التبعية إلى نزوع القطبية الأحادية التي تتهالك اليوم مع بروز قوي لعالم متعدد الأقطاب تفرضه حيوية الشعوب في هذه المرحلة من التاريخ واحتقارها وتمرّدها على مركزية الامبريالية المتوحشة. 5- التوجّه الصارخ في حياة الحزب الداخلية نحو التساؤل والحوار، والنقد والمراجعة النقدية وصولاً في أحيان كثيرة إلى الانتقال من الظاهرة النقدية إلى الظاهرة “الانتقادية” المحضة، وبينهما فرق، فالثانية لا تهتم بأن تحمل معها مقترحات بنّاءة لحل المشكلة. إضافة إلى ذلك يلاحظ المتابع لوقائع المؤتمرات السنوية في الفِرق والشعب هذا العام تطور الحياة الداخلية في التنظيم الحزبي التي تشهد مزيداً من عودة الحزب إلى جماهيره، وعودة الجماهير إلى حزبها على غرار ما تحقق مطلع السبعينيات، مع الإفادة من أوجه البحث والمقارنة بين التنسيب الكمي والنوعي، مضافاً إلى ذلك وعي البعثيين لأهمية الانتقال من مصطلح “الجماهير” إلى مصطلح “الشعب”، هذا الانتقال الذي أضفت عليه أبعاداً جديدة مظاهر المصالحات، واللجوء، والنزوح… التي قدّم حديث الرفيق الأمين العام للحزب بالأمس فيها مفاهيم وخطوات عمل جديدة مهمة. وعلى الرغم من بروز الطروحات المطلبية في هذه المؤتمرات، ومن الإسراف في الاهتمام بالأوضاع المعيشية والمعاشية وما يتصل بها من مسائل خدمية، فقد رافق هذا بروز وعي مطابق لدى رفاقنا بأثر العدوان على سورية والمؤامرة عليها وصولاً إلى الحروب الأربعة التي تواجهها الدولة الوطنية بشعبها ومؤسساتها… وعي بضرورة التوازي والتوازن في بُعدي مسيرة الإعمار والبناء بين المطالب والخدمات من جهة، والوعي والانتماء من جهة ثانية. وبالتحليل: فقد بقيت نتائج إشكالية “علاقة الحزب بالسلطة” حاضرة ولا سيما من حيث مسألتي: الدور، والمطالب. ويبدو أن رفاقنا باتوا – مع استمرار هذه الإشكالية – على قناعة بأنه في تاريخ الحزب النضالي كان الدور يُنتزع ولا يُعطى، لأن ما يُعطى يُسترد بسهولة.. هكذا كان دور الحزب: جماهيرَ ومؤسساتٍ في 1963-1966-1970 وحتى اليوم. لعل مما يضائل هذه الإشكالية هو تزايد شعور الغالبية من شعبنا أنه “مُنتمٍ” إلى هذا الحزب بشكل من الأشكال، فليس المنشود من البعثي محصوراً بأمناء المؤسسات الحزبية وأعضاء قياداتها فقط، لأن الحزب ليس فقط تنظيماً أو مؤسسة، فالفلاح المعطاء في أرضه بعثي، والعامل المُجدّ خلف آلته بعثي، والموظّف والمهني… وكذلك المثقف الوطني مع كتابه وكتابته. ولعل أيضاً المؤتمرات التالية على مستوى الفروع تظهر جديداً لافتاً في العمل نحو تفعيل حضور الحزب في الحياة العامة، لأن شعبنا – على ما يبدو واضحاً – بات على قناعة تزداد يوماً بعد يوم بأن “البعث” ضرورة مطلوبة في هذه الحياة، فروحُه لا تخبو لأنها كانت ولا تزال منشودةً.

 د. عبد اللطيف عمران