ثقافة وفنسلايد

طفلنا.. والمسرح!

نبدأ بالشّغف الذي يرافق دخول الطفل إليه، ولا ننتهي عند أهميته في التكوين النفسي السليم، وقدرته على التأسيس لشخصية سويّة قادرة على مواجهة الحياة بكل مراحلها..

المسرح، المكان الذي يستطيع فيه الطفل البحث عن ذاته واكتشافها، ليرفع الستار عن مشاعر دفينة داخله يبدأ بالتعرّف إليها كما يجب وبأطرها المناسبة، ليدخل عالماً من الإبهار والدهشة، يمنحه بكل ما فيه تجربة متميزة يعيشها بحبّ، ولا تقتصر على متعة المشاهدة فقط، فالطفل يتماهى في الشخصيات التي تتحرك أمامه وتداعب أحاسيسه ومكنوناته بعفوية وقوّة لتخلق منه بناءً يؤسّس لحياة متوازنة وقوية.

لقد عانى طفلنا السوري، تحت وطأة الحرب، الكثير من الأزمات النفسيّة التي هي بحاجة إلى علاجٍ يرمّم ما تهدّم داخله، وقد يكون أحدها التوجه إليه بخطاب مباشر وغير مباشر، لمخاطبة الروح والعقل والجسد بالصوت والانفعالات والتجسيد الحركي، بغرض التنفيس عما في داخله وتطهيره من معاناته وآلامه، وليس هناك أقدر من المسرح للاضطلاع بهذه المهمة غير السهلة.

كما أن الطفل عموماً هو ابن بيئته، ابن عائلته التي ينهل منها ثقافته، وابن مدرسته التي يكتسب منها تعليمه، وابن محيطه الاجتماعي الذي يتشرّب منه سلوكياته الاجتماعية، المتنوعة والمختلفة، والتي قد تشعر الطفل بالضياع وعدم الجهوزيّة لمواجهة الحياة كما يجب، ليشكل المسرح حالة من المعادل النفسي الذي يمنحه التوازن ويكون متنفسه ونافذته على العالم.

ولطالما كان مسرح الطفل محطّ اهتمام المعنيين بالشؤون الثقافية في سورية، لكنّه اهتمام يفتقر للمتابعة والديمومة، ويشهد  المهرجان المسرحي للطفل الذي يقام سنوياً إقبالاً نوعيّاً من قبل الأطفال وعائلاتهم، ما يشجع على إيلاء الأمر المزيد من الدعم والرعاية، وتفعيل دوره بشكل أكبر، وضمان استمراره على مدار العام، فمن غير المعقول أن ينتظر الطفل عاماً بأكمله ليحضر عرضاً مسرحياً أو اثنين، بل يجب أن تكرّس الفعاليات المسرحية على مدار العام، وبشكل متتابع ومنتظم.

المسألة تستحق، وهي بحاجة إلى خطة شاملة تبدأ من أهمية وجود ورشات عمل تخصصيّة مستمرة لكتابة النصوص المسرحية الاحترافية ذات المضامين المناسبة الموجهة للطفل، والتي تتناسب مع قدراته وعوالمه النفسية والداخلية والاجتماعية، وتستطيع التأثير فيه وترميم الندبات التي خلفتها الحرب، ما أمكن، إضافة لتدريب الكوادر الأساسيّة التي تُعنى بالمسرح، من الممثلين إلى المسؤولين عن الأمور الفنية الأخرى، كالإضاءة والموسيقا المرافقة، وذلك كله يندرج ضمن رؤيا إخراجية تتوافق مع المستوى الإدراكي والنفسي للطفل.

إضافة إلى التأكيد على وجود منصّات مسرحية مناسبة في كل بلدة وحيّ، وتفعيل دورها الذي يتوازى مع عمل الدور والمراكز الثّقافية، وإيلائها حقها من الرعاية والاهتمام.

طفلنا هو الأمل الأكبر الذي نعوّل عليه في المستقبل، وهو يستحق أن نكرّس له كل الجهود والإمكانيات، ومهما كانت الوسائل والتدابير، في سبيل أن نضمن له حياة متوازنة يقودها باقتدار، بعد أن نزوّده بالحصانة النفسيّة والذاتيّة الكافية ليكون فاعلاً ومؤثراً وصاحب دور ريادي في مسرح الحياة الكبير.

البعث ميديا- هديل فيزو