مساحة حرة

كلّا … لن تسقط بغداد!

 تسعة وستون عاماً وأكثر من النكسات والهزائم والنكبات لم تُعلِّمنا شيئاً، نصف قرنٍ وأكثر ونحن نكذب ونخدع أنفسنا ونهرب من واقعنا ونتَّهم الأعداء بالـتآمر علينا، ولو أنصفنا لأدركنا أننا نحن المتآمرون على أنفسنا وعلى بعضنا البعض. نحن قبل الآخرين وأكثر منهم، المسؤولون عن نكسات ونكبات وانقلابات وثورات وحروب «أخوية»، كانت ضحاياها نحن العرب…

ماذا فعل العرب عندما احتلّت القوات الأمريكية وزبانيتها بغدادَ ثالثَ عاصمةٍ عربيّة تُحتل بقوة السلاح، لقد ارتفعت شعارات مأساوية مع صوت الندب عبر الفضائيّات العربيّة أمام مشهد الدبابات الأمريكية وهي تحتل بغداد، ما أشبه هذه الشعارات والأصوات بتلك التي انطلقت في حزيران عام 1967م، وأيار 1948م، وما أشبه اليوم بالبارحة.

أيُّ خِيارٍ اتخذه العرب في ذاك اليوم المشؤوم سوى الكلام أو النزول للملاجئ أو ممارسة سياسة النعامة، إننا نكتفي بالبقاء ظاهرةً «صوتية» والأمر ليس جديداً، حتى أنَّ عرباً كثيرين عندما يُدعون إلى حضور أيِّ اجتماع سواء على المستوى الوزاري أو على صعيد الملوك والرؤساء، يضحكون في سرِّهم ويقولون: إنَّ ما يجري داخل القاعات والأروقة لن يتجاوز «الفلكلور الخطابي»، ويتساءلون، لماذا لا يُختم مبنى الجامعة العربيّة بالشمع الأحمر كي يرتاح الجميع من ضرورة اللعبة الفلكلورية التي تتحوَّل إلى تراجيديا عندما يكون الوضع العربي، وكما هو الآن مفتوحاً على المتغيرات والمفاعيل الاستراتيجية البعيدة المدى.

وإذا كانت بغداد عاصمة الرشيد قد سقطت عام 2003 بيد القوات الأمريكية رغم مقاومتها للمحتل الأمريكي، فهي الآن تضمِّد جراحها نتيجة التواطؤ العربي مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فإنَّ ما يجري في سورية العربيّة الآن هو امتداد لهذه المؤامرة التي استهدفت العراق أرضاً وشعباً، ولكن بإخراج وسيناريو جديد، حيث أوكلت أمريكا لعملائها من العرب وغيرهم من المتورطين بالقتل والجريمة أمثال آل سعود وتركيا وقطر، إرسال فرق الموت الإرهابية إلى سورية لتدمير وحرق إنجازات الشعب العربي السوري وحضارته الممتدة عبر سبعة آلاف عام قبل الميلاد، وما يحدث في ليبيا واليمن ومصر لهو أكبر دليلٍ على تواطؤ عرب الجنسية في هذه المؤامرة التي بدأت بسقوط بغداد واحتلال العراق.

إذاً كفانا كذباً على أنفسنا وعلى الآخرين، فالعالم لم ولن يصدّقنا قبل أن نكفَّ عن مقاتلة بعضنا البعض، كفانا هرباً من واقعنا ومن الحقائق، حيناً بالبكاء على أطلال غرناطة وحيناً باعتناق الإيديولوجيات السياسية الأجنبية، ومؤخَّراً في رفع الشعارات الدينية لخدمة أغراضٍ سياسيّةٍ، فالخلاص إنّما يكون بالتفكير النقدي الحر البنَّاء واكتشاف مكامن الضعف في واقعنا العربي وبالتخطيط والعمل على بناء المجتمعات العربية بالشكل الذي يضمن قوتها وتقدّمها.

كلّا… لم تسقط بغداد في أيدي الأمريكيين كما سقطت في أيدي المغول التتار، وستبقى دمشق عاصمة العواصم العربية مناراً لكلِّ الثوار العرب وستندحر جميع قوى الشر التي دخلت الحدود.

فهل هناك خيارٌ آخر للعرب للدفاع عن أنفسهم وهويتهم العربية قبل أن يأتي الطوفان، فهو قادمٌ لا محالة؟!

 د.رحيم هادي الشمخي