ثقافة وفن

المصيبة في الأجزاء!!

النجاح في أي عمل، أياً كان مجاله، لا يعني أبداً استنساخه وبناء كل النجاحات اللاحقة عليه، إنّما يتأتى النجاح الحقيقي في الخلق والابتكار وإبداع نجاح جديد مختلف، إلا إذا أعلنا الإفلاس وفقد القدرة على الخلق..

انطلاقاً من هذه النقطة التي تجسد حقيقة لا بد من الاعتراف بها، نشير إلى ظاهرة الأجزاء التي باتت تَسِمُ الدراما السورية في الآونة الأخيرة، والمصيبة تتجلى بتكريس هذه الظاهرة التي تخسر العمل الكثير من قيمته الفنية بما تحدثه من خلل واضح في البناء الدرامي، وانفصام سافر في الأحداث، وفقدان للمصداقية وبالتالي يفقد العمل جدواه وقدرته على التأثير ويصبح عملاً للاستهلاك الرمضاني فحسب.

فرغم بوادر التعافي التي بدأنا نشهدها هذا العام في الدراما عموماً، تأتي بعض الأعمال التي تصطنع نسخاً لها من أعمال سابقة تحت مسمى الأجزاء مختلفة الأرقام، في محاولة، ربما، لاقتناص النجاح الذي حققه العمل السابق، أو كنوع من الاستسهال وعدم القدرة على إبداع أعمال جديدة ومختلفة عن سابقاتها.

نبدأ بباب الحارة “الشهير” بأجزائه التي لا تنتهي والذي ضاقت الشاشات به ذرعاً لكثرة الاستنساخ والتكرار، وشبعت شخصياته موتاً وحياةً، واستهلكت أحداثه كل الأحداث الممكنة وغير الممكنة، وتضاربت رؤيته من مخرج إلى آخر بعد أن تهافتوا عليه لينال كل منهم نصيبه من “شهرته” المزعومة، ليأتي الجزء الجديد ويقضي على العمل تماماً ويعلن الموت السريري له.

أما مسلسل الهيبة فقد وقع هو الآخر في مطب التكرار وتفتيق أحداث جديدة تتعارض مع الأحداث القديمة بل حتى أنها تلغيها تماماً..

وفي سبيل بداية جزء جديد يمكن أن يقفز الكاتب قفزاته البهلوانية، كأن يلغي أحداثاً مؤثرة حصلت في أجزاء سابقة، ويخفي شخصيات أساسية، ويغير صورة لبطل العمل عمل على ترسيخها سابقاً، فالحب الذي جمع بين “جبل” و”عليا”، والذي استمر الكاتب وعلى مدار حلقات الجزء الأول يقنعنا بقوته، فجأة يتلاشى في الجزء الجديد، والابن الذي أنجباه اختفى أيضاً، أما شخصية “جبل” المحرك الأساسي في العمل، هذه الشخصية التي لا نفهم سبب التكريس “البطولي” لها وهو تاجر الممنوعات والخارج عن سيطرة الدولة والقانون، “جبل” فجأة هو مستعد لترك “الهيبة” وعائلته التي هي بحاجة إليه وأخيه “الأعمى” وكل مسؤولياته ليبقى أمام ابن عمه المتهم بالخيانة والذي هو في غيبوبة لا أحد يعلم متى يستيقظ منها، وكل هذه الحبكة الطويلة وغير المفهومة من أجل أن يلتقي ببطلة الجزء الجديد “نور”، لتتوالى أحداث “الهيبة” خارج “الهيبة”، في ابتعاد عن المنطق واستخفاف بعقل المشاهد الذي فجأة وجد نفسه بقطيعة تامة عن أحداث الأجزاء السابقة وبطريقة بعيدة عن الفهم، كل ذلك في سبيل تجميع أحداث جزء جديد تابع لما قبله لكن بمعطيات أخرى وبشخصيات جديدة والمطلوب من المشاهد نسيان الأحداث السابقة ومتابعة الأحداث الجديدة، هكذا كما هي، دون فهم أو تصديق أو اقتناع.

ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى نجاح أعمال اعتمدت الأجزاء دون أن تؤثر هذه الأجزاء على بنائها الدرامي وعلى مصداقية الأحداث، لأنها أعمال اعتمدت في الأصل على لوحات مختلفة منفصلة عن بعضها تطرح كل منها فكرة وقضية مختلفة، كمسلسل “بقعة ضوء” على سبيل المثال، فهكذا أعمال هي بحد ذاتها تعتمد التجديد والاختلاف والابتكار حتى ضمن الحلقة الواحدة..

ولسنا هنا في وارد الأداء التمثيلي والقدرة الإخراجية، فالجميع يدرك تماماً القدرات التي يمتلكها صناع الدراما السورية تمثيلاً وإخراحاً، لكننا أمام ظاهرة باتت تسيء أكثر مما تنفع، أمام مأساة نصوص درامية لم تعد تحفل بالمضمون القيم والمختلف والمؤثر، بقدر احتفائها بمتوالية من الأحداث المركبة والمفبركة والهزيلة، أمام فنانين باتوا تحت رحمة شركات الإنتاج التي تريد أن تستثمر نجاح أي عمل حتى آخر لحظة ولو على حساب المضمون والممثل والعمل الفني ككل.

هديل فيزو