مساحة حرة

“حجر الزاوية” الإعلامي

استقرار أي دولة لم يعد مبنيا فقط على قدرة مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية على الحفاظ على الأمن والسيادة والتنمية واحترام الأنظمة والقوانين والقيام بالواجبات والتمتع بالحقوق، إذ باتت هذه المسائل مرهونة بوعي المواطنين، نظرا لدخول إعلام جديد لديه ماكينة قوية تدخل العقول بـ”زر دخول” يوجد في جيب المواطن أو بين يديه. “سيول” من المعلومات المتدفقة التي باتت تصنع الرأي العام وتتحكم بتوجهاته. فالوعي مضبوط على إيقاع ضعيف، ما لم تتدخل مؤسسات إعلامية رسمية تحمي المتلقي من الانزلاق!

وتشهد الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها المنطقة العربية، سورية واليمن وليبيا خصوصا، على أن موازين القوى لم تعد بيد الغرب كقوة عسكرية فحسب بل بقوته الإعلامية وقدرته على قلب الموازين وتغيير مسار أي حدث.

وعلينا الإشارة إلى أن المؤسسات الإعلامية الغربية تخلت منذ أكثر من عقد عن تقاليدها المهنية في تقصي المعلومة أو تلقيها، وحتى بطريقة التلاعب بها. والخط الذي رسمته لرسالتها الإعلامية انحنى للأسفل أو للأعلى بحسب قدرتها على مواكبة ما يٌلاحق الإعلام من أدوات جديدة تدفعها مجبرة على استخدامها.

ولقد استطاع الإعلام الجديد هزيمة الإعلام التقليدي في الغرب وهذه حقيقة. وهو ما تجلى في تحرر أغلب الصحف والقنوات من القيود الكلاسيكية وركوب قطار الإعلام الالكتروني واستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في بث ونشر المعلومة، على حساب المحتوى الذي لا يهم فحواه لأنه بساطة مدفوع الأجر سلفا، والذي يتنوع بين الحملات المجمّلة أو المشوهة التي تظهر بين الفينة والأخرى لأغراض سياسية واقتصادية وبين التقارير المكتوبة والمصورة المتنوعة والتي لا مبادئ للوسيلة الإعلامية فيها، بل ببطاقات وحسابات بنكية.

يطول الحديث عن الإعلام الجديد الذي يسرق من الناس وقتهم القليل، فلم تعد فكرة انتظار الجريدة صباحا ولا نشرة أخبار الثامنة موعدا حاسما لتناول الأخبار في وجبة واحدة، فالمعلومات المكتوبة والمصورة والمرسومة تدخل البيوت والمكاتب والجيوب ويافطات الإعلانات في الشوارع دون استئذان، أخبار صحيحة أو خاطئة، مغرضة أم حقيقية، كلها معلومات تتنافس في كسب رضا المتلقي في ثوان معدودات.

هذا الرضا هو ما يميز الإعلام المعاصر أو ما يطلق عليه أيضا بالإعلام “التفاعلي” ففي الوقت الذي كان فيه المتلقي مشاهدا أو قارئا “سلبيا”، بات اليوم له صوت يتأثر ويؤثر، يعبر عن رأيه ويقدم معلومة ويشارك في صنعها بالكلمة والصورة وحتى الفيديو، وإن كان توجيهه و”ترويضه” للقبول بأي معلومة وتصديقها أمرا يتم بطريقة غير مباشرة عبر التحكم بعقله بأدوات بسيطة وهي الصورة والفيديو حتى لو كانت مزيفة أو مضللة.

وفي هذا السياق، علينا الاعتراف كعالم ثالث أننا نعيش في عالم تسيطر عليه “الرؤية الواحدة” للرواية الإعلامية الصادرة عن وكالات الإعلام الكبرى، والقوة العسكرية أضيفت لها قوة ناعمة ملونة وبراقة، تخطف الأنظار، هي الإعلام المعاصر، فالأنظمة التي تهدف إلى السيطرة تستخدم هذه القوة وتتحكم بها، بينما نحن لاتزال دول عديدة تدافع عن حقوقها وسيادتها بنفس الطرق المستخدمة منذ السبعينات، اللهم بعض الدول التي استشعرت الخطر القادم، وحركت عجلة الإعلام لديها للحفاظ على وحدتها وسيادتها وهو الأمر الذي أدركته سورية مبكرا  في حربها على الإرهاب.

ومثلما لم يكن الإعلام الجديد بحاجة إلى مفاتيح أبواب لدخول البيوت والمؤسسات، لربما سيخرج الإعلام التقليدي من النافذة هربا من الكساد والخسارة أو عليه مواكبة التطور والاندماج.

البعث ميديا- سلوى حفظ الله