ثقافة وفن

هل بإمكاننا أن نتعلم السعادة من شعب الأزتيك

درّست في الفصل الثاني من العام الدراسي مادة عن “السعادة”، وكان الصف مكتظاً دائماً بالطلاب لأنهم يرغبون في معرفة سر الشعور بالرضا، شأنهم شأن معظم البشر.

وسألتهم ذات مرة “كم منكم يريد أن يكون سعيداً في حياته؟” فرفع الجميع أيدهم، و”كم منكم يخطط لإنجاب أطفال؟” رفع الجميع تقريباً أيديهم مرة أخرى.

ثم أخذت أثبت لهم بالأدلة أن إنجاب الأطفال يجعل معظم الناس أكثر بؤساً، وأن شعورهم بالهناء والرغد لا يعود إلى مستوياته السابقة إلا بعد أن يغادر الطفل الأخير المنزل، وقلت “كم منكم لا يزال يريد أن ينجب أطفالاً؟” ربما كان الأشخاص الذين أرادوا أن يكونوا سعداء متشبثين برأيهم، لكنهم ما زالوا يرفعون أيديهم.

وكشف لي طلابي عن شيء يعرفه شعب الأزتيك جيداً في فترة ما قبل كولومبوس، عليك أن تتوقف عن السعي وراء السعادة لأن هذا ليس ما تريده حقاً، فنحن لا نخطط لأن تتمحور حياتنا حول حالات عاطفية انفعالية، بل ما نريده هو حياة تستحق الجهد، ولو اضطررنا إلى تقديم تضحيات من أجل ذلك فسنضحي بـ “السعادة” حتى.

أهمل الغرب ثقافة الأزتيك لفترة طويلة، وهي شعوب عاشت فيما يسمي اليوم المكسيك، وعندما أدرس في الصف ألاحظ أن الشيء الوحيد الذي يميل الطلاب إلى معرفته عن الأزتيك هو أنهم قاموا بتضحيات بشرية ضد الغزاة، ولكن قبل وصول الغزاة الإسبان كان للأزتيك ثقافة غنية فلسفياً، وكان لديهم أناس أطلقوا عليهم اسم “الفلاسفة” وسموا نظرائهم المحتالين بـ “السفسطائيين”. لدينا مجلدات كثيرة عن فكر الأزتيك والتي دونها رجال الدين المسيحيين في مخطوطات، اتخذت بعض الأعمال الفلسفية شكلاً شعرياً وقُدّم بعضها الآخر كسلسلة من النصائح وأتى بعضها في صيغة حوار.

تدعو هذه النقاط إلى مقارنات مع فلاسفة الإغريق القدماء وخاصة أفلاطون وأرسطو، إذ جادل هؤلاء أن السعادة تأتي بشكل طبيعي عندما نزرع في الفرد صفات كالانضباط الذاتي أو الشجاعة، وبالطبع، تختلف الأشياء التي تجلب السعادة من شخص لآخر، لكن أرسطو كان يعتقد أن شمولية “العقل” هي المفتاح لإيجاد نوع من التعريف الموضوعي للسعادة عندما تدعمها فضائل شخصيتنا.

يتشابه الإغريقيون والأزتيك في اهتمامهما بكيفية عيش حياة صالحة، لكن الأزتيك، على عكس أرسطو، لم يبدؤوا بالمقدرة الإنسانية على التفكير بل نظروا إلى الخارج، أي للظروف التي يمر بها على كوكب الأرض. كان للأزتيك قول مأثور: “الأرض ملساء زلقة”، وكانت هذه المقولة شائعة عندهم مثل القول المأثور المعاصر الشائع عندنا “لا تضع كل البيض في سلة واحدة”، وما قصدوه هو أن البشر الذين يعيشون على الأرض خطّاؤون، حيث من المرجح أن تفشل خططنا وأن يخوننا أصدقاؤنا، ولا يأتي يُسرٌ إلا ويرافقه عُسر. تنصح أمٌّ ابنتها في محادثة نجت حتى يومنا هذا “الأرض ليست مكاناً جيداً، وليست مكاناً للفرح أو للرضا، بل هي مكان للمضحك المبكي والمفرح المؤلم”.

وبالرغم من نِعَمِ الأرض العديدة، فهي مكان لا تبقى فيه جميع أعمالنا سوى لحظة عابرة، ففي عمل فلسفي شعري بعنوان “انهضوا يا أصدقائي!”، كتب العلَّامة نيزاهوال كويوتل حاكم مدينة تيكسكوكو:

انهضوا يا أصدقائي!

طال الفقر الأمراء،

أنا نيزاهوال كويوتل [ومعنى اسمه الذئب الصائم]،

أنا مغنٍ، وزعيم طيور الماكاو.

التقط زهورك ومروحتك.

التقطهم واخرج للرقص!

أنت طفلي،

أنت يويون تسن [أي النرجس البري].

تناول شراب الشوكولاتة،

زهرة شجرة الكاكاو،

عسى أن تشرب كامل الكوب!

ارقص معي،

غني معي!

فمنزلنا ليس هنا،

نحن لا نعيش هنا،

فأنت أيضاً عليك الرحيل.

هناك تشابه لافت بين هذه القصيدة والعبارة التي جاءت في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: ” فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!”.

هل يبدو كل هذا كئيباً؟ ربما، لكن معظمنا يستطيع التعرف على بعض الحقائق المزعجة. ما أراد فلاسفة الأزتيك معرفته حقاً هو: كيف يُفترض أن يعيش المرء والألم والفناءُ هما سمتان محتومتان لحالتنا؟

الجواب هو أن علينا أن نسعى جاهدين لعيش حياة راسخة أو تستحق الجهد، والكلمة الأزتيك التي استخدمها الأزتيك للتعبير عن ذلك هي “نيلْتايلسلي”، وتعني حرفياً “الرسوخ” وتعني أيضاً “الحقيقة” و”الخير” بشكل أوسع، إذ اعتقدوا أن الحياة الحقيقية هي حياة الصلاح، وهي أسمى هدف نصبو إليه نحن البشر في أعمالنا المتعمدة. ويتردد صدى ذلك في آراء نظرائهم الكلاسيكيين الغربيين، لكنه يتشعب إلى جبهتين أخريين، أولهما، اعتقد الأزتيك أن هذا النوع من الحياة لن يؤدي إلى “السعادة” إلا إن كان الحظ حليف المرء، وثانيهما، لن تتحقق الحياة الراسخة إلا في أربعة مستويات منفصلة، وهو نهج أكثر شمولية من نهج الإغريق.

يتعلق المستوى الأول بالشخصية، ويعني في جوهره أن “الرسوخ” يبدأ بجسد المرء، وهو أمر تجاهلته التقاليد الأوروبية كثيراً، حيث انشغلت بالمنطق والعقل كما هو حالها الآن. صب الأزتيك اهتمامهم على البدن بنظام من التمارين اليومية التي تشبه اليوغا إلى حد ما (لقد رممنا التماثيل التي تعرض مختلف وضعيات الجسد، والتي يشبه بعضها بشكل مدهش وضعيات اليوغا مثل وضعية اللوتس).

وفي المستوى التالي، علينا أن نتجذر في أعماق نفوسنا بهدف تحقيق نوع من التوازن بين “قلوبنا” ومقر شهواتنا و”وجوهنا” ومقر إصدار الأحكام لدينا. جعلت هذه الصفات الفاضلة للشخصية هذا التوازن ممكناً.

في المستوى الثالث، يجد المرء “الرسوخ” في المجتمع المحلي عبر لعب دور اجتماعي، حيث تربطنا هذه التوقعات الاجتماعية ببعضنا البعض وتمكّن عجلة المجتمع المحلي من الدوران، وعندما تمعن التفكير في الأمر تجد أن معظم الالتزامات هي نتيجة لهذه الأدوار، ونحن اليوم نحاول أن نكون ميكانيكيين ومحامين ورجال أعمال ونشطاء سياسيين وآباء وأمهات، إلخ، صالحين، والأمر في نظر للأزتيك أن هذه الأدوار مرتبطة بالجدول الزمني للمهرجانات، مع إنكار بسيط وتشابه هائل مع “الصوم الكبير” و”ثلاثاء المرافع”. كانت هذه الطقوس شكلاً من أشكال التعليم الأخلاقي، أو تدريب الناس أو تعويدهم على الفضائل اللازمة ليعيشوا حياة راسخة.

وفي المستوى الأخير، يسعى المرء نحو “الرسوخ” في “تيوتل” أي الوجود الإلهي الأوحد. آمن الأزتيك أن الطبيعة هي “الإله”، وهو كيان من كلا الجنسين يتجلى ظهوره في أشكال مختلفة، ويتحقق “الرسوخ” في “تيوتل” بشكل غير مباشر عبر المستويات الثلاثة الأولى. لكن بعض الأنشطة المختارة، مثل تكوين الشعر الفلسفي، قدمت صلة أكثر صراحة.

والحياة التي تسير وفق هذه الطريقة ستوفّق بين البدن والعقل والهدف الاجتماعي والتأمل في الطبيعة، وأسلوب الحياة هذا في نظر الأزتيك هو نوع من الرقص الحذر، إذ يأخذ المرء في الاعتبار التضاريس الغادرة للأرض الزلقة حيث السعادة مجرد ميزة عرضية فيها. تتعارض هذه الرؤية مع فكرة السعادة لدى اليونانيين، حيث يكون العقل والسرور جوهريين لأداء أفضل في حياتنا على مسرح العالم. وتشجعنا فلسفة الأزتيك على التشكيك في هذه الحكمة الغربية المسلم بها عن الحياة الجيدة، وعلينا أن نتأمل بجدية في الفكرة العميقة القائلة بأن القيام بشيء يستحق العناء أكثر أهمية من الاستمتاع به.

البعث ميديا || ترجمة: علاء العطار

عن موقع “ألتيرنيت”

 

https://www.alternet.org/2019/06/what-the-aztecs-can-teach-us-about-happiness-and-the-good-life/