ثقافة وفنسلايد

المراكز الثقافية السورية.. ضعف ارتياد وغربة حضور!!

لم يخب نشاط المراكز الثقافية طيلة سنوات الحرب ولم يخمد بريق أدبها، حيث كانت منبرا ثقافيا نيرا تحدى كل الظروف وقدم ما بوسعه لإظهار ألق الفكر السوري الثقافي والسياسي والأدبي ليتحدى الفكر الظلامي التكفيري، أبدع كتابها وتألقت أديباتها لتقديم الأدب السوري في أبهى معانيه وصوره، لكن..من جانب آخر يوجد ضعف ارتياد للمراكز الثقافية وقلة في عدد الحضور في محافظة طرطوس وإن اختلف الأمر بين المركز والمناطق، ليسجل المركز الثقافي في المدينة نسبة لا بأس بها من الحضور الذي يضمحل في مناطق المحافظة، وعن ذلك استطلعنا الأسباب، وبحثنا في مقترحات تفعيل عمل تلك المراكز لتقديم الفائدة المرجوة، فماذا كانت النتيجة …؟

 

رفع عتب

” البعث ميديا” استطلع آراء المواطنين، حيث عبرت مرفت برهوم عن رأيها بشفافية وقالت: أرغب بحضور الفعاليات حسب النشاط، أحيانا يكون الدافع محبتي بالمحاضر وفكره العميق وميولي للفعالية المقامة، وللأسف أصبح الحضور في المراكز الثقافية رفع عتب، أو ملء كراسي ولا سيما عند وجود تصوير وإعلام، وأغلب نسبة من الحضور تكون قرابة ومعارف المحاضر، ويحدث أن تجرى ندوات وفعاليات لا علم لنا بها وهذا تقصير بالنشر و الإعلان عن الفعالية، واقترحت برهوم التوسع في نشر الإعلان عن أي فعالية مقامة واختيار نشاطات تتناسب مع كافة فئات الشعب العمرية ودعمها لتنال الثقة والحضور والتفاعل والاستفادة المرجوة .

غلبة وسائل التواصل

وبدورها أسفت ربا جنيد على ما آل إليه الواقع الثقافي في وقتنا الراهن، وتعيد تراجع المجتمع ثقافيا إلى الأهل وضعف دورهم في حضور الأمسيات الشعرية وحث أبنائهم على المطالعة وأهميتها في تغذية الروح واكتساب المعارف والمهارات وبالتالي ملء وقت الفراغ بما هو نافع ومفيد، مؤكدة على غلبة  وسائل الاتصال الحديثة بما تتضمنه من فيس بوك وواتس آب وسيطرتها على كافة الفئات العمرية إضافة إلى عدم التشجيع من قبل القائمين على تلك الفعاليات لحضورها والاهتمام بها، وعلى القائمين أيضا تسهيل أمور كل شخص لديه رغبة وموهبة لتقديم وعرض ما لديه في المركز .

غير مدروسة الأهداف

والجمهور يتفاعل مع الوسائل السريعة للمعرفة بعيدا عن الخطابات الطويلة، وأغلب المحاضرات بالمراكز الثقافية تكون غير مدروسة الأهداف، برأي عبير عجيب، وترى بأن أهداف المحاضرة يجب أن تدرس بشكل جيد وكذلك الفئة العمرية الموجهة لها والفائدة المرجوة منها، لا أن تكون لشهرة أشخاص محددين وإبراز مواهبهم وإمكاناتهم…!

نفس العقلية والأفكار والخطاب…!

وأشار علي إسماعيل إلى أن لغة الخطاب المعتمدة وطبيعة المواد المقدمة سببا في عزوف أغلب الناس عن ارتياد المراكز الثقافية التي ما زالت تقدم مواد بنفس العقلية والأفكار والخطاب الذي كان سائدا في السبعينات غم أننا الآن في الـ 2019 …! فالجيل الحالي مختلف بنمط تفكيره وتعاطيه مع المعلومة وآلية تقديمها، ولا توجد إمكانية لإبداع أفكار أو تقديم عروض فيها الحد الأدنى من الجرأة مما أضعف الغنى والتنوع، ويوجد تطويق لأي موهبة لا تدجن والمبدع عادة يموت إبداعه بالحصار …!.

التعلم بالتقليد

وترى وفاء إبراهيم أن ضعف الثقافة يأتي منذ الصغر، ولا بد من توجيه الأهل لأبنائهم لحب الكتاب والمطالعة على أن يتناول الأهل الكتاب والجريدة أو المجلة ليتعلم الابن تلك الثقافة لأن أبناءنا  يتعلمون بالتقليد لا بالتلقين، وللمدرسة دور في تعويد الطفل على ارتياد المراكز الثقافية منذ الصغر على أن تتم الزيارة مرتين على الأقل خلال العام وإجراء مسابقات ثقافية وفنية ومنح جوائز ترفيعية للفائزين وتوعية الأهل عن طريق إشراكهم بالنشاطات، ولا بد نشرات شهرية لكل مركز وبمساعدة وسائل التواصل الحديثة كالفيس يمكن المعرفة عن أي نشاط وفعالية.

الحاجة إلى مثقفين حقيقيين

سبب العزوف عن ارتياد المراكز الثقافية لخصه الباحث الاجتماعي والثقافي والفقهي المعرفي موفق محمود، والمحاضر في المراكز بخمس محافظات، بالوضع الاجتماعي والمعيشي والقيمي الثقافي وعدم مصداقية المحاضر ولا سيما إن كانت صفته سياسية فهو يتبع سياسة الفرض والتلقين، مضيفا: نحن نفتقر إلى مثقفين حقيقيين يتمتعون بأخلاق قيمية وإنسانية لا شخصيات منظرة…! إضافة إلى عدم طرح مواضيع فكرية هامة تلامس واقع الناس وحاجياتهم الروحية والمادية.

أمر طبيعي

وبرأي الشاعرة نرجس عمران، فإن المراكز الثقافية عموما فاعلة وناشطة في الوقت الراهن وعلى كافة الأصعدة، حيث كانت طيلة سنوات الحرب منبرا هاما في نشر الوعي الأدبي والثقافي والسياسي والوطنية والعروبة، وما زال جمهور المراكز الثقافية موجودا  “رغم قلته” وأعتقد أنه أمر طبيعي وذلك نتيجة الحرب التي جعلت الوقت المتاح أمام الأكثرية محدود وضيق بحكم العمل المتواصل والانشغال بلقمة العيش التي أصبحت ملحة نتيجة الحرب ومفرزاتها الحياتية الصعبة، إضافة إلى الأجواء العامة المشوشة من عدم الأمان التي سادت البلاد لفترة وانقطاع الطرق وصعوبة الطبع والنشر التي تساهم في إيصال المنجزات إلى القراء والتي تجد المراكز الثقافية فيها داعما ومادة دسمة لإلقاء الضوء والدراسة والبحث.

الاهتمام والنقد البناء

ولتنشيط الثقافة الأدبية والعلمية والأقلام الشابة والمخضرمة ولضمان استمراريتها وفعالية المراكز الثقافية، رأت عمران بأن التسهيلات العامة من الناحية الثقافية والأدبية والسفر والنشر ستتيح للجمهور فرص أكبر للعودة والنشاط وهذا كله رهن الأوضاع والظروف التي بدأت تتحسن في الكثير من البقاع السورية مما يسمح للكتاب والأدباء والشعراء والمثقفين والإعلاميين بالتواجد وبالسفر عند الحاجة والكتابة والنشر والطباعة وزيادة المعارض وحفلات التوقيع والفعاليات المختلفة التي من شأن المراكز الثقافية مواكبتها على قدم وساق وأن تكون المواد المقدمة مفيدة تلامس حياتنا جميعا وأيضا عندما يكون الكادر القادم إلى المراكز الثقافية عموما وفي الأدب والثقافة فعلا مهتم بالدعم والتشجيع والنقد البناء والأخذ باليد لتنشئة جيل مثقف من الأقلام الواعدة بعيدا عن التجريح والتحطيم أو التعالي، ولا بد من تشابك وسائل الإعلام والإعلان من حيث مواكبة المراكز ونشاطاتها وتقديم الدعم المطلوب من كل الجهات المسؤولة والمهتمة .

الثقافة الالكترونية

الثقافة هي ماء عذب يجب الارتواء منه في كل آن وزمان، وذلك برأي الكاتبة والأديبة منال يوسف التي عزت ضعف ارتياد المراكز إلى اعتماد الناس على النت ” الثقافة الالكترونية” .

تقديم منتج ثقافي

وللحديث عن أهمية المراكز الثقافية وأهمية ما تقدمه من تنشيط للحركة الثقافية والإبداعية بشكل عام وفي زمن الحرب بشكل خاص حدثتنا منى أسعد، مديرة مركز ثقافي طرطوس موضحة أن دور المراكز الثقافية يتجلى بتقديم منتج ثقافي بوسائل مختلفة متعددة، وخلال فترة الحرب زادت الأنشطة في المركز ولا سيما الخدمات المقدمة للأطفال والشباب الوافدين و الذين تعرضوا للعنف والإرهاب، وذلك بهدف تنمية مهاراتهم ومواهبهم وصقلها، لرفد المستقبل بجيل واع، ومثال على ذلك فقد قدم فريق مهارات الحياة مجموعة من الأنشطة بمراكز الإيواء وتقديم الدعم النفسي إضافة إلى إشراك الأطفال المهجرين مع أبناء المحافظة والجمع بينهما من خلال حفلات أو مباريات.

وأشارت أسعد إلى أن الجندي يحارب بسلاحه ونحن نحارب من خلال الفكر الذي نقدمه، ومحافظة طرطوس زمن الحرب أضحت المكان الأنسب لإقامة أنشطة مختلفة من محاضرات توعوية و تحليل سياسي  إلى تقديم الدعم النفسي والمعنوي لأبنائنا الوافدين وحتى أبناء المحافظة، إضافة إلى أن أي نشاط طارئ كان يحدث بالمركز  كتكريم أسر الشهداء وجرحى الحرب أو تأبين الشهداء.

 

الخروج عن المألوف والتركيز على قضايا حياتية يعيد ألقها

 

التركيز على النوع

وعزت مديرة مركز ثقافي طرطوس قلة عدد الحضور أحيانا إلى كثرة عدد المحاضرات و الدور الذي يقوم به القائم بالنشاط، مشيرة إلى حضور ناس أحيانا لمجرد الحضور، والمطلوب وحسب أسعد خلق أفكار جديدة، منوهة أن وزارة الثقافة تعمل على تقليص عدد المحاضرات إلى النصف والتركيز على النوع لا على الكم.

الخروج عن المألوف

ولتفعيل عمل المراكز اقترحت أسعد وجود جهات داعمة والتعاون مع الجهات الرسمية والمنظمات كطلائع البعث وشبيبة الثورة، وإقامة أنشطة خارج المراكز في الهواء الطلق لتشكل عامل جذب أكثر، إضافة إلى التركيز على نوعية المحاضرات والمحاضرين والخروج عن المألوف على أن يتحدث المحاضر ربع ساعة ويترك مجال الحوار والنقاش للحضور والتفاعل معه، نريد برامج ونشاطات تلامس هموم الناس فالموسيقا والمسرح والأفلام تشكل عناصر جذب ولها حضورها.

تجاهل…!

وبدورنا توجهنا بكتاب إلى مديرية الثقافة بطرطوس التي تجاهلت الرد على أسئلتنا الموجهة لها….!؟

 

البعث ميديا || طرطوس – دارين حسن