اخترنا لكسلايد

“جنون الإشاعة”.. حين ترتهن مصائر شعوب لعالم افتراضي!

وجود الحقيقة والخيال يجعل حياتنا أكثر تشويقاً، فإذا تمسكنا بالحقيقة واعتبرنا الخيال أسلوباً تزيينياً إضافياً لها شيء، وإذا تمسكنا بالخيال وأهملنا الحقيقة شيء آخر تماماً، وعندما نطلق خيالنا في سرد قصة ما نبتعد دون أن نشعر عن الحقيقة وتصبح أقرب إلى الكذب وهو ما نسميه إشاعة، فهي تختص بالأخبار الكاذبة وتتمرّغ في جدران عقول الضعفاء ومن يمتهنها يضع شعار “اكذب اكذب حتى تصدق ما تقول” نصب عينيه، وممكن أن تكون خبر نطلقه إما بدوافع خبيثة أو بعدم دراية للنتائج وما ستسببه من خطر وليس بغريب أن ندري أو نسمع بحروب وصراعات قامت لمجرد إطلاق قصة أو خبر غير حقيقي ومجهول المصدر لتدبّ الفوضى وتشوّش الواقع وتزيد التحريض.

وهذه الظاهرة الاجتماعية القديمة ما زالت تُتبع حتى الآن وتستمر بالانتشار وأصبحت تدعمها مواقع الكترونية وشبكات تواصل اجتماعية خاصة أنها بحاجة إلى فضاء مناسب يمكّن الناس من إطلاقها. وهذه الفضاءات تتجسد بمدينة أو سوق أو مقهى.. وفي عصر السرعة والتقانة أصبحت تنتشر بسرعة الرصاصة لأن غالبيتنا تفتقد عقولهم للدفاعات العقلية ويسهل للإشاعة أن تنزلق في تلافيفها، وتعتبرها هذه الغالبية أقرب لـ”المتعة”، ففي الاجتماعات والحفلات والمؤتمرات يستمتعون بالنميمة عند الحديث عن الآخرين، وعندما ينقلون خبراً ينقل غالباً “مع شوية بهارات” أي المبالغة والتهويل فتضاف كلمة أو تنقص كلمة لتنتقل إلى طرف آخر ويضيف عليها بدوره شيئا من “بهاراته”، ومن شخص إلى شخص يصبح الخبر مناوئاً للحقيقة تماماً.

ونظراً للأضرار الكارثية التي تسببها تلك الإشاعة تخصصت مواقع الكترونية لبثها، ومؤخراً اكتشف موقع صهيوني مقره تركيا لدس الشائعات خاصة فيما يخص الأزمة السورية، وكم من مرة نُشرت فيها إشاعة لدبّ الرعب والترهيب من المجموعات الإرهابية أو إشاعة مبطّنة عن فوضى في أوساط الحكومة. لعل الغلط موجود، ولكننا لن ننكر أيضاً زيادة تهويل هذا الغلط أو نقله بطريقة غير صحيحة حتى يزيد من التحريض، لاسيما أنها تتزامن مع انتصار للجيش في مكان ما أو تقدم على الصعيد السياسي لانحسار الأزمة. وحتى تتم التغطية على هذا التقدم تبدأ الأخبار الكاذبة بالانتشار لتتمكّن من القلوب التي فتك الخوف بها ومن النفوس المتعبة من الحرب.

منذ أن بدأت الأزمة في سورية بدأت معها الأقاويل المغلوطة ظناً منهم أن من لم يتأثر بالسلاح سيتأثر بالكلمة وقد استخدمت المجموعات الإرهابية هذه الطريقة في احتلالها لبعض المناطق وذلك عن طريق تسريب خبر أنهم أصبحوا على تخومها ليصل الخبر للناس وتعم الفوضى ويهرعون للهروب فيتعذر على الجيش ضبط هذه الفوضى بالتالي تمهد للإرهابيين سهولة الدخول والسيطرة على المكان.

ونستذكر تلك الإشاعات التي لحقت بالخبز والغاز والفيول في محاولة من مواقع ترويج الإشاعات لإقناع المواطنين أن الحكومة لم تعد قادرة على تأمين هذه المواد، فيسارع المواطنون لشراء كميات كبيرة منها، وكان ذلك كفيل بخلق فوضى عارمة وزيادة الأزمة سوءاً، وحتى الآن مازالت تلك المواقع تتلاعب بأخبار صعود وهبوط الدولار لإلحاق الضرر بالليرة السورية والتأثير على الاقتصاد السوري.

في عام 2013 قال يوآف شتيرن الاستاذ المتخصص بالعمليات الحربية في صحيفة حيفا: “تشارك إسرائيل بحرب نفسية وإعلامية ضد سورية، واستعانت وحدة الحرب النفسية في الجيش الإسرائيلي المعروفة بوحدة ” ملاط ” بالدكتور يانيف لافيتان للمشاركة في الحرب ضد الرئيس بشار الأسد”. وأضاف يانيف: “لدينا القدرة على الوصول لكافة المصادر المخابراتية التي تحصل عليها فروع الأجهزة والوزارات والهيئات الدبلوماسية الإسرائيلية حول سورية، والتعاون والتواصل المباشر مع وحدات عملية تعمل بشكل سري في سورية أو على حدودها، بما يعطينا فرصة الحصول على المعلومات الفورية من ساحة المعركة التي تمتد على كافة الأراضي السورية. حيث قامت ملاط بإرسال رسائل “الأس أم أس” إلى المواطنين السوريين، وفبركة الإشاعات ونشرها، ونشر مقالات وتقارير إخبارية لضرب معنويات القيادة السياسية والعسكرية والأمنية، وتكثيف الأخبار التحريضية، وما على الناشطين السوريين إلا طبعها منزليا وتوزيعها بالإضافة لملاحقة أنباء وتصريحات وتحركات الرئيس السوري بشار الأسد وأقرب المقربين لديه والعمل على تحريفها”، على حد تعبيره.

وحاولت مواقع الكترونية التصدي لهذه المواقع التي تعمل لصالح جهات استخباراتية باعتراف العدو، وإحباط محاولاتها وعدم الاستهانة بها، فظهر الجيش السوري الالكتروني في 2011 من بين هذه المواقع، التي وظفت حسابات خاصة على فيسبوك وتويتر، وقنوات على يوتيوب، لمحاربتها قدر المستطاع. كما ظهرت صفحات سورية عديدة أخذت على عاتقها مهمة التصدي للإشاعات وتفنيدها.

وعلى المستوى الرسمي، بدأت الدول تعتمد سياسات واتفاقيات تعاون للحد من آثار حرب الإشاعات، وقد أعلن مؤخرا، على سبيل المثال، عن فتح باب التعاون بين وزارة الاتصالات العراقية ونظيرتها السورية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومواجهة التحديات الالكترونية المتمثلة بالحرب الالكترونية والشائعات، نظرا إلى أن العراق وسورية تعرضا خلال السنوات القليلة الماضية لجرائم عصابات الارهاب وما استخدمته هذه العصابات من حرب الكترونية لبث الشائعات وتوظيف وسائل الاتصال الحديثة والشبكة المعلوماتية لتمرير جرائمها التخريبية والحرب الفكرية حيث شهد البلدان نفس الظروف التي عاشها مجتمعاهما لذلك نسعى لاستغلال التكنولوجيا في مجال مكافحة ذلك، بحسب ما نشرته وسائل إعلام عراقية.

ويبقى الغريب في الأمر أنه في كل مرة يكثر عدد ضحايا هذا النوع من الحرب النفسية، أو يقل، يندر أن نتصدى له ذاتيا، بل نصدقه ولا نصدق تكذيبه! وإن بقينا على هذه الحالة من الانجراف وراء هذا التحريض، فحتما لن تستطيع دفاعاتنا الالكترونية أن تتصدى لطوفان الإشاعات بمفردها. والإشاعة أمر لا يستهان به أبداً لأننا ذقنا مرها مراراً خاصة أنها ذات تكلفة بسيطة وجهد قليل لنستقبل أخبارنا بتأني ونتأكد من المصدر جيداً قبل أن نشارك في نشرها.

البعث ميديا || إعداد ريم حسن