ثقافة وفن

المسرح السوري.. مرحلة النهضة والعصر الذهبي

كانت بداية المسرح السوري في عام 1871 على يد أحمد أبو خليل القباني حيث يعتبر القباني أول مؤسس لمسرح عربي وقد أسسه في دمشق وقدم عروض مسرحية وغنائية كثيرة منها ناكر الجميل – انس الجليس – هارون الرشيد – عايدة – الشاه محمود – وغيرها، وكان له الفضل في قيام حركة مسرحية في سورية وفي الوطن العربي بعد ذلك .

أول عرض مسرحي

قدم أبو خليل القياني أول عرض مسرحي خاص به عام 1871 وهي مسرحية الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح وهي أول مسرحية سورية وعربية وفق مفاهيم المسرح،وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحة أعجب بها الجمهور الشامي بدمشق وفي عام 1879-1880 ألف فرقته المسرحية وقدم في السنوات الأولى حوالي 40عملا مسرحيا ووضع الأسس الأولى للمسرح العربي وخاصة المسرح الغنائي وسافر أبو خليل القباني إلى مصر حاملا معه عصر الازدهار وبداية المسرح العربي وكان مع أبو خليل القباني مجموعه من الفنانين والفنانات السوريين حوالي 50 فنان وفنانة نذكر منهم جورج ميرزا وتوفيق شمس وموسى أبو الهيبة وراغب سمسمية خليل مرشاق ومحمد توفيق وريم سماط واسكندر فرح وغيرهم وسافر أبو خليل القباني إلى مدن سورية ومصر وأمريكا وعاد إلى دمشق متابعا عروضه المسرحية إلى أن توفي عام 1903.

يعد أهم رواد المسرح السوري اسكندر فرح،شكل فرح مع القباني فرقته المسرحية الخاصة وكان المعلم الأول للكثير من رواد المسرح في سورية ومصر ولد اسكندر فرح بدمشق عام 1851 وتوفى عام 1916 قدم مسرحيات هامة في تاريخ المسرح العربي : شهداء الغرام – صلاح الدين – مملكة أورشليم – مطامع النساء – حسن العواقب – اليتيمين – الولدان الشريدان – الطواف حول العالم وغيرها الكثير.

بداية ظهور الفرق المسرحية

بعد فرقة (أبو خليل القباني) والرواد الأوائل للمسرح السوري، ظهرت في بداية القرن العشرين فرق مسرحية سورية كثيرة أخذت بالتزايد مثل فرقة نادي الاتحاد وفرقة جورج دخول:قدمت عروضها على مسرح القوتلي في السنجقدار.

فرقة عبد اللطيف فتحي: ضمت عددا كبيرا من الفنانين ونذكر منهم الفنان جميل الاوزغلي وفرقة أنور مرابط وفرقة ناديا المسرحية للفنانة ناديا العريس، وتعد من أكبر الفرق المسرحية العربية في الثلاثينات من القرن العشرين ضم أكثر من 120 فنان وفنانة،قدمت عروضها على مسرح الكاريون بدمشق أحد مسارح دمشق في تلك الفترة

قدمت الفرق المسرحية السورية الكثير من المسرحيات العالمية وعروض مسرحية كوميدية واستعراضية وغنائية وسياسية واجتماعية ودرامية وتاريخية كثيرة لمؤلفين سوريين وعرب ومسرحيات مترجمة لروايات عالمية .

المسرح السوري .. نهضته ..

بدأت النهضة المسرحية في سورية عام 1959م، وتمثلت في العروض في المدارس والأندية، جنبا إلى جنب مع عروض”فن الأراجوز”الذي برع فيه الفنان”محمد حبيب”والذي كان يقدم عروضه في المقاهي. وقدم الفنان”جورج دخول”الكوميديا المرتجلة بفواصلها الهزلية، وهو الذي ابتكر شخصية المهرج (كامل) الذي جمع بين السذاجة والذكاء الفطري، الأمر الذي مكنه من الخروج من أحرج المواقف بسلام . وظهر كذلك الفنان”جميل الأوزغلي” الذي قدم في المسارح الفقرات الفكاهية بلهجة شامية معتمدا على اللعب بالألفاظ مثل عرضه (البوسطجي) وعرض (المهراجا الهندي وصديقته).

بعد ذلك بدأ المسرح السوري الجاد في الظهور، بقدوم ما يسمى بالمسرحية التقليدية الجادة التي تخلصت من قيود الرقص والفكاهة والتهريج، أي المسرحية التي اعتمدت على الحوار المكتوب فقط، إلا أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه أصحاب المسرحيات التقليدية، أنهم وقفوا موقفا محرجا من الفنون المسرحية الشعبية الأخرى المعتمدة على الفكاهة الشعرية والتهريج والارتجال .

لهذا لم يستطع فنانو المسرح الجاد من الوصول إلى قلوب العامة والبسطاء، لأنهم لم يعكسوا روح السوريين وتقاليدهم، عندما قدموا له المسرحيات المترجمة أو المقتبسة عن روائع المسرح العالمي أو المسرحيات العربية التاريخية.

ومن أهم كتاب هذا المسرح، الشاعر (عمر أبو ريشة) الذي كتب مسرحية”رايات ذي قار”عام 1936م، والكاتب (سليمان الأحمد) الذي كتب مسرحية”المأمونية”عام 1947م. وما يميز هذه المسرحيات خلوها من المعالجة الدرامية والفنية الصادقة.

لكن النهضة المسرحية في سورية قد بدأت بجهود الدارسين أمثال (رفيق الصبان) و(شريف خازندار) اللذان درسا الفن المسرحي بفرنسا. وكذلك بجهود الفنانين الذين عادوا إلى إليها بعد دراسة أصول المسرح في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة . وهكذا بدأت ملامح النهضة المسرحية في سورية بالتشكل بفضل جهود الدارسين، على رأسهم (الصبان) الذي ألف فرقة”ندوة الف المسرح القومي السوري هو امتداد للمسرح السوري، والانتقال من مرحلة الهواة إلى مرحلة الاحتراف.

مرحلة التأسيس

في عام 1959 اجتمعت الفرق المسرحية والفنية في سورية تحت إشراف مديرية الفنون التابعة لوزارة الثقافة ومن أهمها(النادي الشرقي، المسرح الحر، النادي الثقافي، أنصار المسرح) وغيرها من الفرق وجدير بالذكر أن نهاد قلعي وغيره من زملائهِ الفنانيين يعتبرون من مؤسسي المسرح القومي. وأيضاً يعتبر الولادة الثانية للمسرح السوري. كان محمود المصري أول من أدار المسرح القومي، وأول من أخرج لهُ مسرحياً الدكتور رفيق الصبان بالتعاون من نهاد قلعي.

وفي عام 1963م قام الدكتور رفيق الصبان بتأسيس (فرقة الفنون الدرامية للتلفزيوني) ألحقت بالتلفزيون السوري ومن أهم أعضائها (هاني الروماني، سليم كلاس، رياض نحاس، يوسف حنا، كوثر ماردو، آرليت عنحوري) ألحقت بعدها بالمسرح القومي بفترة وجيزة (إدارياً).

مرحلة الستينيات

أغنى المسرح القومي الأكاديميين الذين درسوا المسرح في مصر والأتحاد السوفيتي (أسعد فضة، علي عقلة عرسان، خضر الشعار، محمد الطيب، يوسف حرب، حسين إدلبي، فردوس أتاسي، اسكندر كيني، حسن عـويتي، محمود خضور، فـؤاد الـراشد، تـوفيق المؤذن، شريف شاكر) ولحق بهم مجموعة من المخرجين التلفزيونيين أمثال سليم قطان، فيصل الياسري، سليم صبري، شريف خزندار.

أهميته

جاء في كتاب (المسرح القومي والمسارح الرديفة) للكاتب جان الكسان:”وصل عدد مشاهدي العروض المسرحية إلى ثلاثين ألف مشاهد فكانت بحق العهد الذهبي للمسرح السوري الذ وضع في اعتباره قضايا الناس وأدرك القائمون على المسرح أهميتهِ الاجتماعية والسياسية وأهميته الكبرة في تأمين المتعه والتسلية بنفس الوقت”.

العصر الذهبي للمسرح

كانت الساحة المسرحية تنتظر مولد الكاتب المسرحي المحلي، وتجسد ذلك في ظهور الكاتب المبدع (سعد الله ونوس) الذي ألف مسرحيات عديدة منها”جثة على الرصيف”،”الجراد”،”الفيل يا ملك الزمان”و”الرسول المجهول في مأتم انيجوتا”، إلا أن أهم مسرحياته كانت”حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، التي تعد بمثابة العهد الجديد للمسرح السوري، وقد كتبها بعد هزيمة حزيران 1967م، فقد صور فيها معاناة الإنسان العربي وحيرته مستخدما في ذلك الرموز والمنولوجات الطويلة.

كما كتب ونوس أيضا مسرحية”مغامرة رأس المملوك جابر”مازجا فيها الممثل بالمتفرج . كما قدم عام 1978م أروع مسرحياته المأخوذة عن التراث الشعبي من ألف ليلة وليلة، وهي مسرحية”الملك هو الملك”، وقد نجح ونوس في أن يلبس هذه المسرحية بثياب الخطابة الشعبية، وأن يوظف فيها الأفكار السياسية والاجتماعية والدروس الإنسانية.

المسرح العسكري

لعب المسرح العسكري دوراً مهماً في تعميق الوعي الاجتماعي وترسيخ الثقافة العربية والحضارية المميزة لأمتنا العربية على مر العصور، فاللحياة المسرحية في سورية تاريخ عريق تمتد جذوره من الفترة الرومانية وصولاً إلى الانطلاقة الحديثة المتجددة للمسرح السوري في القرن التاسع عشر على يد مؤسس المسرح السوري الحديث الشيخ الدمشقي أبو خليل القباني، ومع بدايات القرن العشرين انتشرت المسارح وازدهرت الحركة المسرحية في دمشق، إذ شكلت العروض المسرحية المتنوعة بوابة تعبر عن الفكر السوري المتنوع الأطياف والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وعن ما يختلج في الحياة السورية من دوافع تبعث على التطور والتحرر والبناء نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأملاً، وإيماناً بأهمية المسرح الثقافية والحضارية وما يقوم به في تعزيز الانتماء الوطني والقومي تم إحداث المسرح العسكري في سورية عام1958م إبان الوحدة السورية المصرية ليكون بذلك أول مؤسسة عامة تُعنى بالشأن المسرحي في سورية سابقاً بذلك المسرح القومي السوري بما يقارب الخمس سنوات، لقد تأسس المسرح العسكري في سورية كمثيل للمسرح العسكري في الإقليم الجنوبي لدولة الوحدة إذ كان المدير العام للمسرحين العسكريين السوري والمصري أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر وهو أحمد حمدوش.

تم افتتاح المسرح العسكري بعرض مسرحي حمل اسم (العطر الأخضر) بطولة (محمود جبر، منى واصف) وإخراج محمد شاهين، وضم المسرح العسكري عدداً من الممثلين الذين لعبوا دوراً كبيراً في انطلاقة المسرح العسكري (سعد الدين بقدونس، بدر المهندس، نجاح حفيظ،يوسف شويري، منذر الفاضل، محمد أديب الجباوي، نجوى صدقي)، ثم وفد إلى المسرح كل من : (محمود جبر، ياسين بقوش، أحمد الطرابيشي، سامية الجزائري)، وفي هذه الفترة قدم الفنان سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان (سيف المنافقين) وهي من إعداده، ومسرحية (الأيدي الناعمة) لتوفيق الحكيم عام 1961م، كذلك جرت آنذاك مسابقة لاستقدام شخصيات فنية جديدة مثل (كليبر سعيد، محمد كريم، منى واصف، هيفاء واصف، فريال كريم) وقدم سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان (كيد النساء)، ومسرحية بعنوان (مريض الوهم) للمؤلف الفرنسي موليير، ومسرحية نجاح المرادي أخرجها سعد الدين بقدونس، نالت الجائزة الأولى في عيد العلم والأدب.

تتالت العروض المسرحية الناجحة منها : (أفول قمر، مخلب القطة، سوء تفاهم) عام 1962م، ومسرحية (الثوريون) عام1963م، ومسرحية (أبو المقالب) عام 1964م، وغيرها من الأعمال المسرحية التي كانت تعرض على مسرح صالة 8 آذار والتي استحوذت على إعجاب الجمهور والنقاد معاً نظراً لتألقها ومقاربتها للواقع .

لقد عرف عن المسرح العسكري اهتمامه بعروض مسرحية تذكر على الكوميديا والنقد الاجتماعي وهي في غالبيتها مسرحيات محلية على عكس المسرح القومي الذي ركز على عروض مسرحية من روائع الأدب العالمي، وذلك يعود إلى وظيفة المسرح العسكري باعتباره يخاطب جمهوراً واسعاً، ولنوعية الرسالة الفنية الخاصة التي تعمل على إيصالها ونشرها والمتمثلة بتعزيز الانتماء الوطني والقومي الهادف والمسؤول الملتزم بالقضايا العربية والانتماء إلى الأرض .

جاءت العروض المسرحية للمسرح العسكري خاصة بعد عام 1963م مميزة بالشكل الفني الجميل والمضمون الفني المسؤول، يدعمها في ذلك الخبرات الفنية المتجددة التي ترفد المسرح العسكري وتشكل أركانه، فالمتتبع للأسماء التي عملت في المسرح العسكري إخراجاً وتمثيلاً وكتابة يصل إلى أسماء كبيرة لها مكانتها وثقلها الفني في الحياة الفنية السورية نذكر منها: (محمود جبر، ناجي جبر، أحمد عداس، منى واصف، مانويل جيجي، سعيد جوخدار، عبد الهادي صباغ، أيمن زيدان) وغيرهم الكثير من النجوم، بالإضافة إلى مخرجين متميزين مثل (سعيد جوخدار، توفيق المؤذن، مانويل كاشيشان، علي اسماعيل)، فقد وقد استفاد المسرح العسكري دوماً من الإبداعات المتجددة لمخرجين يرفدونه بالعطاء المتنوع، ويقدمون أعمالاً متميزة، لنجاح العرض المسرحي.

البعث ميديا || إعداد وتوثيق صفوان الماضي