ثقافة وفنسلايد

سورية.. عن الحرب والرواية

مثّلت الرواية كأحد أهم الفنون الإبداعية في الأدب والكتابة السردية ذاكرةً خصبةً لاستعادة تاريخ شعب أو أمة، ومعرفة وقائع وأحداث مرّت بها هذه الأمة أو ذلك الشعب وأثرها الاجتماعي والسياسي في حقبة زمنية معينة، فضلاً عن التحولات التي صبغت المجتمع بعد كل مرحلة في هذه الحقبة. وقد كانت الروايات التي عرضت للحرب العالمية الثانية وما قبلها مثلاً، ولاسيما في الأدب الروسي، أكبر دليل ومعين لنا لنفهم طبيعة هذه الحرب وأسبابها والتداعيات التي خلفتها، وأهمية أن تؤرّخ الرواية للحرب وفق معايير فنية عالية.

في زمننا اليوم، وخاصة مع ما يُكتب من روايات وسرديات موازية تتناول الحرب على سورية، بات لزاماً علينا جميعاً أن نطّلع على ما أنجزه هذا الفن الجذاب، وخاصة إذا عرفنا أن الرواية اليوم أصبحت هي ديوان العرب، والكتاب الأكثر قراءة بين شرائح المجتمع كافة، فما الذي أعددناه كمؤسسات عامة وخاصة للاطلاع على ما قدمته الرواية السورية، أولاً لتشجيع الأعمال التي أخلصت للوطن وانتصرت لقضيته العادلة وحقه المشروع في مواجهة الحرب الإرهابية والفكر الظلامي التكفيري، وثانياً تحليل ما قدّمته أطراف أخرى وزيفت فيه كثيراً من الحقائق وكان صدى مفضوحاً لما بدأه الإعلام المعادي مع اندلاع الحرب وسعى فيه إلى تعميم الأكاذيب وتصوير الحرب بأنها صراع بين السلطة والشعب، وذلك بالبناء على أحداث جرت في سنوات ماضية ونبش حوادث عابرة وتفخيمها بهدف إيقاظ الضغائن والأحقاد والسعي لإغراق المجتمع السوري في الفتنة المذهبية والطائفية.

خلال السنوات الثماني الماضية صدرت عشرات الروايات لكتّاب داخل سورية وخارجها، واختلف الكثير من النقاد ومؤرخي الأدب في تقييمها ومصداقية ما ورد فيها، وفي الوقت نفسه الوقوف عند ممكناتها الفنية والجمالية ومدى قدرتها على البقاء في ذهن المتلقي وذاكرته. ونزعم أن كثيراً من هذه الأعمال جدير بتسليط الضوء عليه، حتى لو اختلفنا حوله إما بطغيان المباشرة أو الاستغراق في الوصف وسرد الحكايات بواقعية مفرطة دون اللجوء إلى تقنيات السرد ومكونات الرواية الأكثر قدرة على الإقناع والإمتاع.

ومن المهمّ جداً أن نذكر هنا بعض الأعمال التي صدرت وأرّخت لهذه الحرب وفق وجهات نظر قد تكون مختلفة ومتباينة في بعض تفاصيلها مثل: رواية “ست ساعات” لـــ لمى توفيق عباس، و”طابقان في عدرا العمالية” و”وصايا من مشفى المجانين” لـ صفوان إبراهيم، و”الكحل الأبيض” و”تيا يا أنت” لــ أماني المانع، و”جراح على ضفاف الحرب” لـ مجد حبيب، و”لا تبك يا بلدي الحبيب” لــ حسن حميد، و”هوة في باب عتيق” لــ علي محمود، و”جنوب القلب” لـ محمد الحفري، و”زناة” لـ سهيل الذيب، و”أرض الجهاد” لـ محمد الطاهر، و”السبية” لـ إبراهيم الخولي، و”غزلان الندى” لـ علي المزعل، “الوقت” لـــ هدى فاضل، و”عارية تحت المطر” لــ خليل العجيل.. وسواها.

على أن ما يمكن لفت النظر إليه أن هذه الروايات التي صدرت داخل سورية، وكانت استلهاماً للتراجيديا المشتعلة والمستمرة حتى اليوم، لم تلقَ العناية اللازمة من بحث ونقد وتصنيف، وفي الحدّ الأدنى تقييمها وتصويب بوصلتها التي تهدف إلى بلسمة جرحنا المفتوح على كل الاحتمالات. ونحسبُ أن وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب، إضافة إلى المؤسسات الثقافية ودور النشر الخاصة، لهم الدور الأكبر في تبيين أهمية هذه الروايات والموضوعات التي طرحتها، بالتوازي مع دراستها نقدياً كما أسلفنا.

ونجزم أخيراً أن تشجيع مثل هذه الأعمال التي تبحرُ في قصص وحكايات عاشها السوريون جميعاً خلال السنوات الماضية، والاحتفاء بها وتخصيص جوائز خاصة لها، سيدفع الكثير من المواهب لارتياد هذا الفن الذي سيشكّل بالتأكيد ذاكرتنا الجمعية في المستقبل القريب أو البعيد.\

البعث ميديا || عمر جمعة