مساحة حرة

عن “أحزاب الجبهة” والمصير؟

على الرغم من الصدمات المتتالية التي تتلقاها أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بفعل فاعل، وربما فاعلين، فإن إيماننا بهذه الصيغة المتقدمة للعمل السياسي، سوف يتعمق ويترسخ ويتجذر، على الرغم من وجود سؤال مشروع هو: من ذا الذي يستفيد من إضعاف أحزاب الجبهة؟

هناك قاعدة أساسية وسياسية تقول إنك تقوى بقوة حلفائك، مثلما أنك تضعف بضعف هؤلاء الحلفاء، لذلك فإننا نسأل ونتساءل عما إذا كان هناك من يقرأ هذه القاعدة بالمقلوب بحيث يذهب به الظن إلى أن في إضعاف حلفائك قوةً لك، اللهم إلا إذا كانت هذه الحرب الضارية على سورية،التي جعلت أحزاب الجبهة أكثر التفافا حول قناعاتها التي لم تتبدل ولم تتغير، لم تفلح في أن يستخلص منها بعض منا الدروس المستفادة، وهذا أمر بالغ الخطر والخطورة.

ثم إن هذه الحرب، ومنذ بداياتها المبكرة، إن لم نزد عليها وصفا مضافا هو الجنينية، أي قبل أن تبدأ الحرب وتنشب، كانت تشنُّ هجوما لا هوادة فيه، ضد الجبهة في محاولة للتشكيك فيها، وفي أحزابها، بغرض الإجهاز عليها والتخلص منها. ولو لم يكن الأمر كذلك، فلماذا كان هذا التركيز المرئي والمنظور، على المادة الثامنة من الدستور؟

وما زلت أتذكر كيف أن الهمَّ الأول والأكبر لبعضٍ ممن شارك في أعمال اللقاء التشاوري الذي انعقد في 11و12 من شهر تموز عام 2011، وكنتُ نائب رئيسه، هو إزالة هذه المادة وحذفها وإصدار حكم الإعدام عليها رمياً بالرصاص عند الفجر. ومن أسف شديد فإن هذه الهجمة أفلحت في الوصول إلى أغراضها، فكان ذاك الذي كان من إعدام هذه المادة من مواد الدستور السوري، علما بأني شخصيا، وكذلك حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، وأغلبية أحزاب الجبهة، وقفنا موقفا معارضا من المطالبة بإعدام هذه المادة التي كان من رأينا أنها ضرورية في مواجهة ذاك الذي لبس في البداية لبوس المؤامرة، ليغدو من بعد ذلك حربا على سورية.

لكن إعدام هذه المادة كان إشارة فهِمَها المتآمرون الذين كانوا يسمون المعارضة، بأنها تنازل قدمناه من دون أية مكاسب كان يمكن لنا تحقيقها، وبذلك فإن المتآمرين الذين تبيَّن أنهم إرهابيون وتكفيريون، رسم لهم أسيادهم منذ بداية البداية، أهدافا محددة، وفي المقدمة منها تدمير سورية وحذفها من خريطة العالم، بغرض واضح تماما هو إلغاء دور سورية القومي الذي كبُرَت به سورية بأكثر مما تسمح به الجغرافيا الضيقة.

والأكثر أهمية الآن هو تسجيل ملاحظة بالغة الأهمية، وشديدة الخطر والخطورة، هي أنه مازال بيننا من يبذل جهودا صارت واضحة الوضوح كلَّه، لتغييب الجبهة وأحزابها العريقة التي لم تخُنْ تاريخها، فحافظت على مواقفها الوطنية والقومية، من دون أن تتزحزح عنها لحظة واحدة، على الرغم من المخاطر التي أحدقت بها على امتداد الحرب على سورية، وقبلها، وسوف تظل كذلك من دون تردد.

يبقى بعد ذلك أن نقول إننا على الرغم من بعض السلوك الصادم، فإننا واثقون الثقة كلها في أنه ما دام الرئيس بشار الأسد حاضرا في المقدمة من مواقع المسؤولية، وسوف يظلُّ كذلك بإرادة شعبنا الحرة والطليقة، فإننا نمتلك القناعة الكافية بأن ما هو صادم اليوم، لن يكون صادما في الغد.

ولسوف تبقى الجبهة برئيسها الذي نقول عنه إنه المعادل الموضوعي لوجود سورية، وبتوجيهاته إلى نائب رئيس الجبهة اللواء محمد ابراهيم الشعار، وبالمواقف التي لا تقبل المساومة التي يتخذها ويعلنها الأمناء العامون لأحزاب الجبهة، خصوصا في الاجتماعات الدورية الأسبوعية التي تُطرح فيها على الطاولة كل القضايا الوطنية والجبهوية، حاضرة في حياتنا، متطورة في أدائها، مؤدية واجباتها، على الرغم من صدمة من هنا، أو صدمة من هناك. ذلك أن قناعاتنا أقوى من كل الصدمات، خصوصا أننا صامدون، ثابتون، متجذرون في تراب الوطن الذي نحن منه وإليه.

صفوان القدسي