الشريط الاخباريسلايدسورية

حرب تشرين التحريرية.. تكريس “المقاومة” كخيار استراتيجي

خلال القراءة الإستراتيجية، سياسيا وعسكريا، لحرب تشرين الأول 1973، يتضح لكل مراقب ومتابع لتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، أن الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية عادية، أو محطة مؤقتة انتهت مفاعيلها بانتهاء المواجهات العسكرية، فالحرب التي بدأتها سورية ومصر معا، كانت وفق كل المعايير والمقاييس العسكرية، أول انتصار عربي ينطوي على معانٍ وأبعاد استراتيجية، باعتراف العدو قبل الصديق، ولا يقل أهمية عن ذلك اعتراف داعمي الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبعض دول الغرب وخاصة بريطانيا وفرنسا.

وغني عن القول، أن السادس من تشرين الأول 1973، أسس لحقبة جديدة في الصراع العربي– الإسرائيلي، عنوانها الأبرز الانتقال من حالة الدفاع الى الهجوم، ومن حالة اليأس الى استعادة الثقة بالنفس، وامتلاك زمام المبادرة، ومواجهة العدو بوسائل وخطط قتالية لا يتوقعها، وهو ما أكدته التطورات اللاحقة للصراع.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت هزيمة العدو في المواجهات التي تلت حرب تشرين، إحدى أهم نتائج الانتصار الذي حققه الجنود السوريون والمصريون، والجنود العرب الذين جاؤوا الى جبهة الجولان وسيناء للمشاركة في الحرب، وكان ذلك الترجمة الحقيقية لشعار قومية الصراع، في مواجهة الخطر الصهيوني، الذي يستهدف العرب جميعا.

حرب تشرين أسست لانتصارات لاحقة.
بعد انتصار تشرين، توالت الانتصارات العربية، فكان انتصار المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان عام 2000، وتقهقر المشروع التوسعي الصهيوني في المنطقة العربية، تلاه انتصار تموز 2006، ليتكرر مشهد هزيمة الكيان الصهيوني من جديد، مضافا إليها تلك الأهمية الكبيرة لانتصارات الجيش العربي السوري الذي حقق انتصارات واسعة على من وكّلهم الكيان الصهيوني لإضعاف سورية، وليتأكد بذلك، أن هذا الكيان أشبه ببيت العنكبوت، رغم كل الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول الغربية.
وفي قراءة متأنية لنتائج الحرب، وتداعياتها الإستراتيجية، يتضح أن حرب تشرين التحريرية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، لم تكن مجرد محطة تاريخية وحسب، بل كانت تحولا استراتيجيا في مركبات الصراع، غيّرت قواعد اللعبة، والمعادلات العسكرية، وكسرت حاجز المستحيل، وكل ذلك بفضل قوة وبسالة أبطال الجيش السوري والمصري، الذين قلبوا حسابات العدو، وحطموا أحلامه التوسعية، بهذا المعنى، أسست حرب تشرين التحريرية لزمن الانتصارات العربية، وكرست مفهوم وخيار المقاومة، كخيار استراتيجي في مواجهة العدو الاسرائيلي.

العدو يعترف بالهزيمة

رغم محاولة العدو وأعوانه تزييف التاريخ وإنكار هزيمته في حرب تشربن، إلا أن تصريحات قادة وجنرالات جيشه وبعض الدول الداعمة للكيان الاسرائيلي وبعض المؤرخين العسكريين في العالم، أكدت أن النتيجة النهائية للحرب كانت هزيمة مدويّة هزّت الكيان الصهيوني على كل المستويات، وحطّمت أسطورة جيش معتدي كان يظن أنه لا يُقهر.

الجنرال موشيه ديان، وزير الحرب الإسرائيلي أُصيب بالذّعر إبّان انهيار التحصينات الإسرائيلية على جبهتي الجولان وسيناء وصرخ بحدة في وجه إلياهو زعيرا، مدير المخابرات العسكرية .. قائلا : “إني أحملك مسؤولية ما يحدث”، وبنفس الحدة والانفعال ردّ عليه زعيرا بغضب، قائلا : ” لقد حذرتكم وكنت أنت تقول لنا دائما إنه من المستحيل أن يدخل المصريون والسوريون أي حرب ضدنا.. لماذا لم تشعر بأن حدثا أو كارثة مخيفة سوف تحدث ؟”.

وكتب “ديان” في مذكراته: “إننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة السوريين والمصريين للخلف.‏. علينا الإعتراف بأن التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهى إلي الأبد، وأن المقولة التي تقول بأنه يمكن هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل كانت خاطئة.. وعلينا أن نفهم أننا لم نعد القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها‏.‏”

غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الإسرائيلي أثناء الحرب كتبت في كتابها‏ “‏قصة حياتي‏” : “لا شيء أقسى على نفسي من كتابة ما حدث في أكتوبر فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط وإنما مأساة عاشت وستعيش معي حتى الموت، فلقد وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إقامتها”، مضيفة: “هناك معتقدات أساسية انهارت في ذلك اليوم، منها إيماننا المطلق بقوتنا العسكرية، وعندما نستعيد تلك الأيام فإنها تذكرنا بالأخبار المروعة التي تصل من الجبهة والخسائر التي تمزق القلب”.
أبا آبيان، وزير الخارجية “الإسرائيلي”، قال في تشرين الثاني 1973: “لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر ١٩٧٣، لذلك ينبغي ألا نبالغ في مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي، بل على العكس فان هناك شعورا طاغيا في إسرائيل الآن بأن علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نبتعد عن المبالغة”.

الجنرال أروي بن أري قال:‏” كان ينتابنا شعور مخيف بأن الفشل سيفتح الطريق إلي تل أبيب، وفي 7‏ أكتوبر خيّم علي إسرائيل ظلّ الكآبة، ومنذ فجر ذلك اليوم وحتى غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقفا على قدرتنا على صد هجوم السوريين والمصريين، ومنذ عام 1948‏ وحتى 1973‏ لم تتعرض إسرائيل لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري”.

من جانبه أكد أحد أهم القادة “الإسرائيليين” يتسحاك رابين، تدمير معظم المعدات التي تساعد جيشه على استمرار القتال قائلا: “لولا الجسر الجوي الأمريكي الذي كان أضخم جسر جوي في التاريخ، لما استطعنا الاستمرار في القتال.” ‏

وأصدقاء الكيان الصهيوني

وزير الخارجية الأمريكي إبان الحرب، هنري كسينجر قال في تصريح صحفي في 28 كانون الأول 1973: “حرب تشرين الأول فاجأتنا علي نحو لم نكن نتوقعه، ولم تحذّرنا أي حكومة أجنبية بوجود خطط محددة لأي هجوم عربي”.

فيما اعتبر الجنرال فارا هوكلي، مدير تطوير القتال في الجيش البريطاني “أن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال وقدراتهم، أكثر مما تتعلق بالآلات التي يقومون بتشغيلها”، كاشفا “عن عبقرية ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية حققت مفاجأة تامة للطرف الآخر، حيث أظهر الجنود العرب روحا معنوية عالية كانت أقرب الى المستحيل”.

وقال بيير ميسمير رئيس وزراء فرنسا، خلال مؤتمر له في باريس في السابع من كانون الثاني 1974: “دخل العالم نتيجة حرب أكتوبر في مرحلة اقتصادية جديدة ولن تعود أحوال العالم إلي سابق عهدها قبل هذه الحرب”.

مستمرون على النهج

واليوم يحتفل الشعب العربي السوري بالذكرى السادسة والأربعين لحرب تشرين التحريرية في الوقت الذي تثبت فيه سورية بعد أكثر من ثمان سنوات من الحرب الظالمة ضدّها قدرتها على الصمود والانتصار على الإرهاب وداعميه في سبيل الحفاظ على سيادة الوطن وكرامة الإنسان وصون تاريخه وحضارته.

البعث ميديا- تقرير: ابتسام جديد