مساحة حرة

العدوان التركي وحصاد الوهم؟؟

يأتي العدوان التركي الغاشم على الأراضي السورية ضمن سياق سلسلة الأعمال والأفعال التخريبية المتكررة التي يقوم بها المحور المعادي والذي تشكل تركيا رأس حربته ضد سورية ، كلما حققت الدولة السورية انجازا عسكريا أو سياسيا بهدف عرقلة الوصول إلى الحل السياسي النهائي الذي بدأت تلوح ملامحه العامة في الأفق القريب ، سيما بعد أن تمكن الجيش العربي السوري من بسط سيطرته الكاملة على أكثر من 95% من الأراضي السورية ، وكذلك بعد أن تمت موافقة الحكومة السورية على تشكيل اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور السوري نتيجة استقرار الوضع الأمني والسياسي والخدماتي في كافة المناطق التي تقع تحت سيطرة الدولة السورية ، حيث كانت الانتخابات الحزبية لقيادات الفرق الحزبية ونجاحها اللافت على مساحة الوطن خير دليل ورسالة مضمونها الأهم نقل صورة الاستقرار السياسي العامة في البلاد ، وباعتبار المجرم ” أردوغان ” رأس النظام التركي المهندس الأساس في برمجة الحرب الكونية الظالمة على سورية منذ بدايتها ، ولم يزل يحلم بإنعاش الأطماع العثمانية القديمة المتجددة التي تعشعش في دماغه العفن ، لذلك قام بتنفيذ العدوان العسكري المباشر على الأراضي السورية مستغلاً بذلك حالة الحرب التي تواجهها سورية مذ أكثر من ثمانِ سنوات متواصلة وبحجة عجز الجيش السوري عن حماية الحدود مع بلاده ، وانتشار عصابات انفصالية في المنطقة المستهدفة ، وبغية تنفيذ وهم إنشاء منطقة ( آمنة ) داخل الأراضي السورية على طول الحدود مع تركيا بعمق يصل حتى ثلاثين كيلومترا لحماية الأمن القومي التركي ، وبالرغم من بطلان كل هذه الذرائع قانونياً ، وعدد الإدانات الكبير الرافضة بمجملها لهذا العدوان ، والتي صدرت من أكثر من جهة دولية ولأسباب مختلفة ، بعضها مبطن تحت غطاء الإنسانية المزيفة لحماية الإرهابيين والعناصر الانفصالية ، وبعضها الآخر صادق ويتبنى مظلة القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي صدرت تجاه سورية وضرورة الحفاظ على وحدة واستقلال سورية أرضاً وشعباً ، استمر المجرم أردوغان في عدوانه على الأراضي السورية بكل صفاقة وحقد ، فكان الرد الطبيعي والموقف الصائب من قبل القيادة السورية هو مواجهة هذا العدوان باتخاذ قرار شجاع بإرسال الجيش العربي السوري فوراً إلى شرق سورية ومواجهة العدوان التركي بكل السبل والإمكانات ومنع المعتدي من تحقيق أحلامه وأهدافه الخبيثة تحت أي تسمية .

الموقف الأمريكي الرمادي ليس جديداً على المتابعين والمحللين ، وكنا حذرنا سابقاً في اكثر من مناسبة بأنه لا يوجد في المنطقة حلفاء دائمين للولايات المتحدة الأمريكية سوى الكيان الصهيوني الغاصب ، وما دون ذلك مجرد أدوات للإدارة الأمريكية تستخدمها بشكل مؤقت وفق متطلبات المصالح الأمريكية والصهيونية ولو كان ذلك على حساب سمعة وكرامة ومستقبل تلك الأدوات ، وهذا ما نشاهده اليوم بكل وضوح وتواجهه علانية وبشكل فظ ودون ادنى خجل أنظمة بعينها تربطها علاقات واتفاقيات مع الولايات المتحدة ، تنص على حماية العروش الهشة المتهالكة مقابل الدية المالية ، والتي لم تعد تكفي لمتطلبات تلك الحماية في ظل المتغيرات الدولية الواسعة ، لذلك انسحبت القوات الأمريكية من وجه العدوان التركي تاركة عملائها يلاقون مصيراً مجهولاً ، وهو مصير كل من استند في تحديد مصيره على العلاقات مع الأمريكان والغرب الاستعماري .

القيادة السورية وانطلاقاً من حرصها على حياة وكرامة كل مواطن سوري من أي لون ، اتخذت المبادرة بمواجهة هذا العدوان بكل حيثياته ، وعلى المجتمع الدولي الذي علا صوته في إدانة العدوان أن يقف إلى جانب الحكومة السورية وجيشها الوطني في الدفاع عن سيادة واستقلال سورية الموحدة ، حرصاً على سلامة أمن ومستقبل المنطقة  والعالم بشكلٍ عام ، وقد أكدت الأحداث الأخيرة صحة الموقف السوري الرسمي الذي لاقى قبولاً شعبياً واسعا ووقوفاً صلباً خلف الجيش العربي السوري الذي يمثل عنوان وحدة وشموخ سورية .

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو : هل يتجرأ النظام التركي المعتدي على الصدام مع الجيش السوري وفتح قواعد الاشتباك وجهاً لوجه ؟ في الواقع ووفق القراءات الأولية نستبعد أن يُقدم نظام أردوغان على هكذا حماقة بزج الجيش التركي بصدام مباشر مع الجيش العربي السوري ، لأن نقاط الخسارة ستكون أكثر بكثير من نقاط الربح ، وسيضع نفسه ونظامه في موقع الخارج على القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ، والأهم توصيات الحلفاء المشتركين بينه وبين الدولة السورية ، وقد يكون الحل الأكثر ديناميكية في هذه المرحلة المعقدة القبول بتنفيذ بنود اتفاقية أضنة الموقعة بين حكومة الجمهورية العربية السورية وحكومة تركيا في ثمانينات القون الماضي بما يحفظ ماء وجه جميع الأطراف أمام الرأي العام ، على أن يتم تسليم كافة المناطق الحدودية للجيش العربي السوري الذي يتكفل حماية الحدود ومنع كل التنظيمات الإرهابية والانفصالية من العبث بأمن كلا البلدين وفق رؤية مشتركة بين الحلفاء والأصدقاء يُفرض على أردوغان القبول بها .

في النتيجة نرى انه على جميع السوريين من كل الألوان عرب وكرد وغيرهم أن يرموا أوهام العيش المنفرد خلفهم ويصطفوا بصدق وإخلاص خلف جيش بلادهم الوطني ويكونوا عوناً حقيقياً له في بسط الأمن والأمان على كامل التراب السوري ، وحمل كل التفاصيل إلى خيمة الحوار الوطني التي تصوغ شكل وطبيعة النظام والدولة في سورية بآلية ديمقراطية حضارية تحت ظل ورعاية الجيش العربي السوري الذي بفضل تضحياته وبسالة قواته تمكن من تحقيق النصر على أقوى واعتى جيوش العالم وعملائهم المخربين ، والحفاظ على الوطن ومقدراته بكل أمانة..

محمد عبد الكريم مصطفى