سلايدمساحة حرة

سفينة “الديكتاتور” تغرق

متوالية لا تنتهي من الرّهانات الخاسرة، لم تكن أوّلها طعنات أنصاره له داخلياً، وليس آخرها المكائد التي يحيكها له حلفاؤه خارجياً، وبعد أن سقطت كل أوراقه، ورقة تلو الأخرى، بدأ أردوغان بإعادة حساباته التي لم تعد عليه، يوماً، إلاّ بالفشل.

جردة حسابات قاسية يقوم بها أردوغان، وهو من أحاط نفسه بالأعداء حتى من داخل بيته التركي، وأقحم بلاده في أزمات لا سبيل للخروج منها، لتوصله سياسة “مضاعفة المشاكل” إلى الصراع المباشر مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وحتى مع دول الجوار، تحقيقاً لمطامعه السلطوية ومخططاته العدوانية لسرقة ثروات ومقدرات الشعوب، واضعاً بلاده في مهب عاصفة من الأزمات تنبئ بالمزيد من المواجهات وتصعيد الصراع، لاسيما أن الأمر لن يتوقف عند الضغوطات السياسية والاقتصادية، بل كل المؤشرات تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.

ستكون المرحلة القادمة شديدة التعقيد والصعوبة، بعد أن بدأ الصراع الأمريكي التركي يأخذ أبعاداً أقوى وأكثر وضوحاً ومواجهات مباشرة، خاصة بعد أن أعلن مجلس النواب الأمريكي الحرب على النظام التركي حين اعترف بأغلبيته بالإبادة الأرمنية، وأقرّ سلسلة من العقوبات الاقتصادية، منها فرض ضرائب جديدة على واردات أمريكا، ووضع وزارتي الدفاع والطاقة على قائمة العقوبات إلى جانب عدد كبير من المسؤولين، تأتي هذه العقوبات بعد تصريحات باستعداد ترامب “لتدمير اقتصاد تركيا بالكامل”، تدمير بدت مؤشراته جلية من خلال تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي بحوالي 0.2 بالمئة، فور الإعلان عن نتائج تصويت مجلس النواب.

من جهة أخرى، يتعرض الاقتصاد التركي لضغوطات أوروبية خانقة نتيجة الأزمات السياسية المتلاحقة، بعد أن أقر الاتحاد الأوروبي جملة من العقوبات ضد النظام التركي رداً على استمرار عملياته لسرقة الغاز في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص، هذه العقوبات لن تكتفي بتعليق المفاوضات حول اتفاقية الطيران مع أنقرة، وخفض المساعدات المالية الأوروبية لتركيا، ودعوة بنك الاستثمار الأوروبي لمراجعة عمليات إقراضه لأنقرة، بل إنها ستأخذ أبعاداً أشد وطأة طالما أن الانتهاكات التركية مازالت قائمة، ويأتي العدوان الذي شنته تركيا في المياه الاقتصادية القبرصية، مؤخراً، إثر العسكرة الواسعة التي أطلقتها مصر واليونان وقبرص لمواجهة التهديدات التركية المحتملة في البحر الأبيض المتوسط، ليزيد من تصعيد الصراع في المنطقة.

الوضع السياسي في الداخل التركي لا يقل تأزماً، وسط الانشقاقات التي تنخر الحزب الحاكم، والخلافات المستمرة بين أعضائه، حيث تؤكد استطلاعات الرأي تراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية” ورئيسه، وتأتي خسارة الحزب في انتخابات البلديات أنقرة واسطنبول، لتثبت ذلك، وفي الوقت الذي يتهيأ فيه داود أوغلو لتنظيم حزب جديد سيتم الإعلان عنه خلال هذا الشهر، تزداد الاستقالات في حزب “العدالة والتنمية”، وسط تأكيدات باستعداد 13 برلمانياً تابعاً لحزب أردوغان للانشقاق فور تأسيس حزب داود اوغلو الجديد، ما ينبئ بتغير كبير في الحياة السياسية التركية، الحزب الحاكم فيها لن يكون بمنأى عن هذا التغيير.

النظام التركي الذي قاد الحرب ضد الشعب السوري بالوكالة عن حليفه الأمريكي، هو الآن محاصر بالأعداء وبالأزمات من كل الجهات، وسفينته المهترئة على وشك الغرق، ولا نية لدى أحد لإنقاذها، بعدما وجه له الأمريكي طعنة في الظهر، ضمن تحالف مع النظام السعودي الذي يتحين، هو الآخر، الفرصة للإيقاع به، وبعدما أعلنت أوروبا رفضها المطلق لكل سياساته، ما جعله متخبطاً غارقاً بمصائبه، يهدد تارة بإغراق أوروبا بالدواعش وتارة باللاجئين، خاصة بعد أن منيت عملياته العسكرية في الشمال السوري بالفشل، هذا النظام الخاسر، رغم استكباره وعنجهيته، هو مرغم الآن على العودة إلى طريق المفاوضات السياسية، وخاصة مع دول الجوار، ولكن؛ وسط هذا الغرق، هل يستطيع أي نوع من المفاوضات أن يشكل إنقاذاً حقيقياً لبلاده؟!

 

هديل فيزو