ثقافة وفن

“صالة مشوار”.. توثيق الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقية

“وكان دخول وخروج الناس منه وإليه يمر عبر ملامسة هذه العلامات والرموز، ملامسة مادية وبصرية” بهذه المفردات عرّف الفنان الفوتغرافي انطون مزاوي معرضه ” الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقية” في ” صالة مشوار” في حيّ القصور بمشاركة السيدة تامار شاهينيان بالتطريز الإلكتروني.

ويعدّ هذا المعرض ضمن  مشروع مزاوي التوثيقي البصري لعمارة دمشق بتركيزه على أبواب دمشق التي جسدها كثير من الفنانين في لوحاتهم، لكن مزاوي نحا منحى أكثر دقة بتفاصيل الباب الدمشقي بتصويره رموز الطارقة ” اليد” المثبتة على الباب والتي توحي بالحب والسكينة والحميمية التي تربط بين أهل البيت وبينهم وبين الآخرين، ففسر هذا الجزء الصغير الذي يحفظ بعضاً من التراث اللامادي لمدينة دمشق التاريخية المستمد من تاريخها ومروياتها ودياناتها وأساطيرها وحكايات الجدات المنسوجة بزخارف ونقوش ودلالات وأمنيات وأحلام تحملها الطارقة.

فبدا المعرض أشبه بمشهدية مسرحية، فمنذ اللحظة الأولى تشدنا النافذة المغلقة إلى صورة الباب لنطرقه فيفتح لنا ونرى أسرار الأبواب بما تحمله من رموز خفية تتخلل هذه المشهدية المسرحية معالم البيت الدمشقي بفنائه وبحراته.

وكما دوّن مزاوي في كتابه الذي يحمل عنوان المعرض ذاته بأنه لم يتطرق أحد سابقاً لهذا الموضوع بالتحليل الفلسفي والبحثي والتوثيقي.

وقد ازدانت جدران الصالة بنماذج موغلة بالقدم تحتوي على رموز جماعية وفردية أحياناً.

فالصورة رقم7  تتناغم بالزخارف وأشكال الطيور واللبلاب ورمز الشمس الذي يحمل بعداً آخر يشابه النقش المحفور في معبد دير البخت ويمثل دائرة وفيها الصليب والشمس، موجودة في إحدى الحارات المتفرعة من حي القيمرية.

والصورة الحادية عشرة حفرت بأسلوب مختلف مع رمزية ورق الخشخاش وإضافة حفرة يثبت فيها عادة حجر أزرق في بنصر اليد.

وفي الصورتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة سرد بصري لقصة النبي يوسف وتظهره راعياً وتوضح أهرامات مصر والفرعون والبقرات السمينة برمزية إلى البركة والخير وتحمل تفاؤلاً لأصحاب البيت.

وبعض الطارقات حملت رموز أغصان اللبلاب وأوراقه التي ترمز إلى الوفاء، وأخرى أخذت تشكيلاً أبسط بشكل القبة وداخلها أحد أسماء الله الحسنى ” يا فتاح” موجودة في أحد أحياء العمارة الجوانية.

واختزلت السيدة تامار شاهينيان بتقنية التطريز الإلكتروني تفاصيل صغيرة على الأبواب توحي بملامح روح دمشق بفضائها وسمائها بعطر وريقات الياسمين وأوراق دوالي العنب والطير الجوري، ووثقت بمفردات نزار قباني مدينة العطور والرياحين والحب والسلام:

هذي دمشق وهذي الكأس والراح

إنيّ أحب وبعض الحب دباح

واختارت بيت شعر يلخص العلاقة الحميمة التي تربط بين الإنسان وبمن خلف الباب:

طرقتُ الباب حتى كلّ متني

فلما كلّ متني كلمتني

ومن أسماء الله الحسنى ” يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم”

ولم تبتعد وريقاتها المبعثرة عن دفء صوت فيروز وهي تغني” بواب بواب، باب مشتاق في باب حزين، في باب مهجور أهلو منسيين”

وعبّرت السيدة ميادة كليسني مديرة صالة مشوار وصاحبة المشروع الثقافي التشكيلي عن سعادتها بهذا المعرض المميز وغير المطروق والذي يحمل هوية تراث دمشق وأصالتها، وتابعت بأن فنّ التصوير الضوئي لا يقل أهمية عن التشكيل لاسيما إذا كان بعين خبيرة مثل الفنان أنطون مزاوي.

البعث ميديا || دمشق – ملده شويكاني