سلايدمساحة حرة

المشروع الثقافي.. “الاستثمار الأكثر ربحاً”

حين يغدو المشروع الثقافي، هو “الاستثمار الأكثر ربحاً”، فإن ذلك من شأنه أن يرسم أفقاً واضح المعالم لمستقبل وطن تتبدى إشراقاته يوماً بعد يوم، مع ما يوحيه الأمر من سعي حقيقي لانتهاج خطة تحمل عمق الرؤى للنهوض بالواقع، بدءاً من الإنسان؛ الثروة الأهم والركيزة الأساسية التي تشكل نقطة القوة في البناء، عندئذ يكون المشروع المعوّل عليه حقاً في طريقه نحو تحقيق الربح الأكبر.

وإن كانت حروب اليوم، تستهدف بالدرجة الأولى، منظومة الوعي وبنية الفكر، من خلال شن هجمات سوداء لزرع الفكر الظلامي المتطرف، وإعلان حملات التهويل والتجييش التي تطال المبادئ والثوابت، فهذا يستدعي، بالمقابل، الحصانة الكافية للعقل وتعزيز الوعي الفردي والجمعي، فمعارك اليوم تتطلب مواجهة فكرية بالمقام الأول، تعتمد التسلح بثقافة تنويرية قائمة على الأصالة والانتماء والقيم، وتمتلك القدرة على تبديد الفكر التكفيري ومواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه.

ورغم ضعف المشهد الثقافي في بداية الأزمة، وعدم قدرته على التصدى لهذا النوع من الحروب بالمواجهة المثلى، وحيلولة الصدمة والارتباك دون تفعيل دوره الحقيقي واللازم، وأولوية الاهتمام بالأمن على أيّ جانب آخر، إلا أنّ تراجع الدور الثقافي لا يقتصر على سنوات الأزمة فقط، بل المسألة تتعلق أيضاً بعقود من هشاشة الفكر وتأزّم الوعي والنظرة القاصرة لبعض الثوابت المتعلقة بالوطن والهوية، إضافة لضعف البنية الثقافية المجتمعية، وتخلّي البعض من النخب الثقافية عن القيام بدورها الأساسي في هذه الظروف، من هنا أتت صعوبة المهمة الثقافية، لكن المحاولات الدائمة لدُور الثقافة لم تتوقف، بل استمرت بممارسة دورها لتحقيق رسالتها التنويرية طيلة سنوات الحرب، وبغض النظر عن جدليّة مدى فاعليتها وقدرتها على التأثير، إلا أنّ ما يحسب لها أنها كانت حاضرة وحاولت النهوض بالواقع الصعب.

المشهد الثقافي ذاته اليوم يوحي في بعض ملامحه وتجلياته بالكثير من الأمل، حين يحمل المشروع الثقافي القائم أبعاداً أكثر عمقاً، خاصة حين ينطلق من الطفل، اللبنة الأولى في إعادة البناء، فيحمل على عاتقه مهمة إنقاذه من تأثيرات حرب استهدفت طفولته وأحلامه في تبنّ ضروري لقضية تستحق أن تكون الأَولى والأهم، وهنا يتجلى الدور الثقافي الذي يترجم توجهه الحقيقي لمشروع بناء الطفل، وفق خطوات عملية وفعاليات تأخذ على عاتقها إقامة معارض كتاب وفعاليات ومهرجانات مسرحية مختصة بالطفل، وعقد مؤتمرات يكون هو المحور الأساسي فيها.

يكتسب موضوع المشروع الثقافي أهميّته من كونه الحاجة الملحة التي تتطلبها المرحلة الراهنة، بعد معاناة أثبتت ضرورة وقفة تأمليّة جادّة لما هي عليه الحالة الفكرية والثقافية، وما ينبغي لها أن تكون، ومع لزوم الاهتمام بالحراك الثقافي وضرورة انتشاره والتأكيد على تعميمه في كل بقعة من هذا الوطن، كونه القادر على النهوض بالمجتمع والحامل الأساسي للهمّ الوطني، إلا أن ذلك يتطلب، أيضاً، الاهتمام بمخرجاته والتطبيق العلميّ والعمليّ له، والاستفادة من كل الرؤى والنظريات التي تعتمد التنوير والحوار وتفعيلها، وانتهاج مشاريع فكرية وثقافية تواجه التّطرّف بأشكاله، وتؤسس لمرحلة قادمة لا مكان فيها للظلام ولا للحرب.

هديل فيزو