الشريط الاخباريثقافة وفن

بلتيس.. الفم العذب

“بلتيس” 610-675 ق م، الشاعرة السورية هل سمعتم بها من قبل؟ لم نقرأ عنها يوما في مناهجنا الدراسية، ولم نعرف عن تفاصيل حياتها أي شيء خلال مراحل حياتنا، في حين اكتظت مناهجنا ب “شايلوك” وغيره من الشخصيات القادمة من عوالم أخرى، وهذا ليس عيبا، بل هو جيد من باب زيادة المعرفة، ولكن لماذا كل هذا التعامي عن شعرائنا الأوائل، بجنسيتهم السورية العالمية، قبل أي “عولمة” ظهرت في العالم؟ ولماذا لا يتم تعريف الطلاب السوريين منذ حداثة عهدهم بالمعرفة، بأجدادهم العظماء؟ الأمر ليس وقفا فقط على شاعرتنا “الفم العذب”، بل عن أسماء لشخصيات سورية-عالمية، كان لها كبير الأثر في تشكيل هويتنا المحلية، تلك التي صارت بما قدمته من نتاج فني وفكري وفلسفي، خارج حدود التصنيف الضيق لمفهوم الانتماء، فالفكر والفنون عموما، لا تنتمي لمكان وزمان بعينه، بل هي عابرة للتاريخ وللحدود.
هذا السؤال نتركه للقائمين على العملية التعليمية والتربوية، وهما عمليتان متكاملتان، فلا علم دون تربية، والعكس بالتأكيد صحيح، ومن الطبيعي أن يقوم الاعلام، بالإشارة إلى مواضع الضعف في هذا الشأن، والتذكير به في حال كان غائبا.
منذ 2400 سنة ولدت الشاعرة السورية “بلتيس” في أواخر القرن السادس قبل الميلاد في قرية جبلية في مقاطعة “بامفيليا” في بلاد الأناضول المطلة على البحر المتوسط، هناك حيث ألارياف المظللة بأجمل ما أبدع الخالق من لوحات طبيعية، والوديان المثقلة بالصمت، المليئة بالسكون الصاخب، ولدت بلتيس من أم فينيقية سورية وأب يوناني، يقال إنها لم تعرفه، فلقد حملت اسم “بلتيس” وهو الاسم السوري لآلهة الحب والجمال عند اليونان أفروديت وليس من الصعوبة بمكان، إدراك كيف اتخذت بلتيس اسمها الفينيقي هذا، فقد كان بمقدور امها أن تمنحه لها، كما فعلت ومنحتها الحياة سابقا، واستبدال ال “ق” بحرف ال”ت”، هو من الأمور المعروفة لغويا، حيث يلفظ الاسم اليوم “بلقيس”.
لبلتيس دواوين شعرية عديدة، وكانت شخصيتها وأشعارها مثيرة للجدل، فهي تبدو غاية في البساطة، وكأنها جاءت بلا أدنى جهد، ولكن في الوقت نفسه هي أشعار غاية في التناسق والاتقان، وتلك البساطة ماهي إلا تقنية من تقنيات الكتابة الشعرية، خصوصا الشعر الغنائ، الذي كانت شاعرتنا من أهم من كتب فيه في زمانها، ولتأتي معظم تلك القصائد في حب الأوطان والفخر بها، كانت فالشاعرة فخورة بانتمائها الى أرض سورية المقدسة، التي وصفها هوميروس بأنها أرض الآلهة.
طبعت أشعارها في أمريكا عدة مرات تحت عنوان “أغاني بلتيس” وفي عام 1977 تم تصوير فيلم سينمائي في فرنسا عن حياتها بعنوان “بيليت” من اخراج دافيد هاملتون، كما حملت اسمها العديد من المقطوعات الموسيقية الرائعة.
ومما قالته عندما شعرت بدنو الآجل:
“تحت أوراق الغار السوداء، تحت أزهار النسرين العاشقة/هنا أرقد/أنا التي عرفت أن تصوغ الشعر، وتجعل القبلة تزهر/ترعرعت على أرض العرائس/عشت في جزيرة العاشقات، ومتّ في قبرص، ولهذا اشتهر اسمي، ودُلِّك بالزيت نصبي/لا تبكني أنت يا من تقف، فلقد شُيّعت بجنازة عظيمة/ومزّقت الباكيات خدودهن/ووضعوا معي في قبري مراياي وعقودي/والآن على المروج الشاحبة، مروج أسفوديل/أتخطّر ظلاً لا يُمسّ ولا يُرى/وذكرى عمري فوق التراب هي جذل حياتي تحته”.
تمّام علي بركات