اخترنا لكالشريط الاخباري

المجموعته القصصية على شفا حبّ.. قصص تستحضر بعض رموز الفن والإبداع

بلغة شعرية أقرب ما تكون قريبة من القلب والروح، وأسلوب القاص الرهيف الشفاف قدم لنا الروائي والقاص الدكتور نزيه بدور. مجموعته القصصية الموسومة بـ ( على شفا حبّ )، الصادرة عن دار التوحيدي – حمص- تأتي هذه المجموعة القصصية بعد روايته الأولى الصادرة في دمشق والتي تحمل عنوان ( إعلان مقتل الدكتور علي). نبتهج كثيرا حين نكتشف أن الزمن لم يلغ القصة القصيرة، هذا الجنس الأدبي الذي بدأ نجمه يأفل ويكاد يذهب إلى الدفاتر القديمة لصالح تقدم الرواية. والشعر بعد أن استسهله الكثيرين تحت عدة مسميات. منها بند الشعر الحر، وقصيدة الومضة والهايكو الخ . لذلك نبتهج جدا عندما يستمر فن القص بالحفاظ على تواجده على الأقل وحضوره بين باقي الأجناس الأدبية.
مجموعة القاص نزيه بدور ( على شفا حبّ) شخصياتها من الواقع أضفى عليها المؤلف لبوس التخيل والإسقاطات والفانتازيا، وال المواضيع المختارة للقصص هي في الغالب قصص حب وقصص اجتماعية وجدانية، ويجمع بينها خيط دقيق عبّر عنه المؤلف بالعنوان أولاً ثم بأبيات لمحمود درويش جاءت على شكل توطئة:
“يا حبّ لا هدف لنا إلا الهزيمة في حروبك، فانتصر أنت انتصر، واسمع مديحك من ضحاياك، انتصر سلمت يداك”
يقدم لنا القاص نزيه بدوّر خمسة عشرة قصة يشكل كل منها نصاً يستوفي جميع عناصر القصة القصيرة من براعة الاستهلال إلى الحبكة, انتهاءً بدهشة الخاتمة. وهوفي كل مرة يقدم موقفاً أخلاقياً نبيلاً من الحب, وفي نفس الوقت يسخر من النفاق الاجتماعي وعلاقات المصلحة الآنية, وكأنه بذلك يبقى وفياً للثقافة الإنسانية, تلك الثقافة التي تنعكس في جنبات النص، موقفاً صريحاً ورمزاً.
دون تكلّف، يستحضر في سياق السرد, ومنذ الصفحة الأولى, رموز الثقافة المحلّية والعالمية, ويقوم بتوظيفها لتخدم الحدث. نصادف الشاعر “أراغون” والفنان السوري فاتح المدرس في القصة الأولى وهي قصة رمزية بعنوان “الشبح”, ثم نلتقي الرسامين ” مودلياني” و”سوتين” في قصة أخرى بعنوان “حالة حصار” وقد اقتبس عنوانه من فلم المخرج الشهير “غوستا غافراس”. في قصة “بقعة ضعف” يحضر الشاعر “ريلكيه” والنحات “رودان”. يمر الكاتب بـ”بوشكين” في قصة “فروسية معاصرة” ونزار قباني في مناسبة أخرى. وقد اختار لغلاف كتابه لوحة للفنان د.عبد الله خان.
لابد من الإشارة إلى وصف المكان، الذي جاء بشكل موفق, والذي يأخذنا بحميمية إلى شاطىء البحر حيناً, وإلى “زقاقات” دمشق القديمة ومطاعمها ومقاهيها أحياناً أخرى. وذلك بطريقة روائية ذات إيقاع سريع, يتناغم مع روح القصة القصيرة, ويجنب المتلقي الشعور بالملل.
أبطال قصصه هم في الغالب، أساتذة جامعات وأدباء وصحفيون، وسيدات أجنبيات يقمن في بلادنا. وهذا، رغم بعض المحاذير، يضفي على الشخصيات السبق الأدبي والتفرد.
في قصة “حالة حصار” يترك الكاتب بطل القصة ليتحدث عن نفسه، عن هواجسه وآلامه، وبهذه الطريقة يتمكن من إضاءة وكشف العالم الداخلي للبطل وهو عالم ممزق مأزوم. يستخدم القاص تقنية خلط الواقع بالحلم ليقدم تحليلاً نفسياً ومناقشة فلسفية لمغزى الحياة.
في قصة “عند ما تدق الساعة الثانية عشرة” يحضر إلى ذهن القاريء ظروف رحيل المخرج السينمائي العالمي مصطفى العقاد في عمّان, حيث يجتمع كوكبة من المثقفين والمبدعين السينمائيين والمهندسين مع زوجاتهم وضيوفهم الأجانب, في صالة للاحتفال بعيد راس السنة, لتغتالهم يدٌ غادرة، لأنهم يحبون الحياة ويحتفلون بها على طريقتهم: “في وقت لاحق من الليل,قبل أن تظهر خيوط الفجر الأولى المنتظرة, ومن غير استئذان, ظهر في حلبة الرقص شبح أسود, نحيل وطويل, تفوح منه رائحة غريبة. لم يتعرف عليه أحد, لأن كل من رآه سابقاً غادر الحياة. قفز بخفة على إيقاع الموسيقى, ثم حلق فوق الرؤوس فاتحاً عباءته السوداء كجناحين… وفي لحظة ما, عندما دقت الساعة الثانية عشرة, بتوقيت “كابول” أو “قندهار” أو أيّ مكان من ذلك العالم النائي, هز المكان انفجار مدوّ, ثم خيّم صمت عميق… كانوا يحبون الحياة.”ص80.
وأخيراً يؤخذ على المؤلف اقتصاره على تصوير شريحة واحدة من الناس. لانجد نصاً يتطرق لبؤس الفقراء في مجتمعاتنا وعذابات المشردين والمظلومين, بل تفوح رائحة السيجار الكوبي والكافيار. ونفتقد في قصصه الجديدة غمامة الحزن الشفيفة التي غلفت أحداث روايته الأولى “إعلان مقتل الدكتورعلي” وتراجيديتها. ويؤخذ عليه أيضاً أنه اختار أسماء أبطاله, ناهيك عن المواضيع, وكأنه يوجه خطابه للقارئ المثقف، والنخبة, أوللقارئ الأجنبي, خاصة بعد إنهاء ترجمة روايته الأولى إلى البلغارية والروسية, وهي في طريقها إلى النشر.
وعلى الرغم من ذلك يصفح للكاتب الدكتور نزيه بدورالمستوى الفني الرفيع للقصص, وهذا ما أزعمه بعد أن قرأت المجموعة بكل حبّ, يصفح له أيضاً تلك اللغة الرشيقة المنسابة كجدول ماء عذب, وذلك التكثيف اللفظي والقصصّي، الذي يقدم لنا مشهداً روائياً في قصة قصيرة.
البعث ميديا – أحمد عساف