مجتمع

الإجرام سلوك مكتسب أم فطرة؟!

 من منا لم يسمع أو ربما شهد على وقوع جريمة، بعد أن شاعت العديد من الجرائم وانتشر المجرمون في المجتمعات وبتنا نسمع عن أساليب إجرامية حدثت وطبقت بكل تفاصيلها في الواقع كنا لم نشاهدها إلا في الأفلام والمسلسلات.

مؤخراً وقعت جرائم لا يمكن للعقل أن يصدقها في العالم، نذكر منها جريمة حدثت في عام 1966 عندما قام مواطن أمريكي بقتل أمه وزوجته، وعندما ألقي القبض عليه طلب أن تُشرح جثته بعد موته، وبعد التشريح ظهر أنه كان يعاني من ورم دماغي يضغط على منطقة تسمى اللوزة وهي تنظم السلوك العاطفي وخاصة الأحاسيس السلبية وما تنتجها من شعور بالخوف والعنف.

ويسود الظن بأن جميع القتلة تحيط بهم نفس الظروف أو لديهم نقاط مشتركة أدت بهم إلى الانحياز نحو العنف حسب نظرية تشيرزي لومبروزو مؤسس نظرية (المجرم ولد ليكون مجرماً) لأنهم متشابهون في صفاتهم حسب اعتقاده وأن عشرات الصفات تميز المجرم، فإما أن يكون مفرطاً بطول القامة أو بقصرها مع وجه عميق التجاويف وذقن صغيرة والأذرع الطويلة والأذن الكبيرة مع الرأس ذو الجبهة الواسعة وبثور على الوجه وتجعيدات في الشعر، وكثير من المجرمين عرفوا فور رؤيتهم خاصة إذا صاحب هذه الصفات سلوك أخلاقي غريب أو شاذ، كما حدد تقسيمات عديدة وهي مجرم بالفطرة ومجرم مجنون والصرعي والسياسي والسيكوباتي والمجرم بالصدفة والمجرم المعتاد. التقت البعث ميديا مجدي فارس دكتور في علم النفس الجنائي والذي كان له رأي مخالف للومبروزو وقال د. فارس: ” العملية ليست وراثية ولا يوجد هناك غدد تحفز السلوك الإجرامي ولا تحدد سلوك اجتماعي” ، ونفى فارس وجود إنسان مجرم بالفطرة وباعتقاده أن هذا منافي للحقيقة الإنسانية وإن بعض من ذهب إلى نظرية لومبروزو الذي انطلق بتحليل أو تتبع مسيرة حياة أسر مجرمة لمدة 70 عاماً ابتعد عن الحقيقة فمن عاش في جو إجرامي أو مارس أحد العائلة الأب والأم أو الأخ سيكون سقفه في الحياة الاجتماعية متماشياً مع الأسرة بالتالي لن يكون صالحاً.

كما نوه د. فارس لبعض الحالات أو الأزمات الاجتماعية والمادية أو المالية والتي قد تكون سبباً لارتكاب أحد أنماط السلوك غير المقبول اجتماعياً لتتراكم المشاكل والعجز عن حلها ثم تتحول فيما بعد إلى شخصية مضادة للمجتمع كما رجح د. فارس أن الإنسان يمارس سلوك عدواني إجرامي بسبب ضغوط نفسية كإهانات تجرحه نفسياً فلا يمكنه التعبير بأساليب أرقى فيلجأ بعنف ومن غير تفكير وبشكل غريزي إلى الشذوذ عن الطريق الصحيح والتي تكسب أحياناً إما مالاً أو انتقاماً أو حالة من الرضى النفسي فيتخذها فيما بعد سلوكاً. وأضاف: “الإنسان الجسمي وليد البيئة المحيطة به ابن البحر أو ابن الصحراء أو الجبل يختلف تفكيره ونموه وطبيعة تعامله مع الأشياء تبعاً للبيئة التي يعيش فيها فأنا أرجح دور البيئة في إكساب الآخر السلوكيات الاجتماعية المقبولة أو المضادة مع المجتمع أو التنافس أو الصراع”.

أما المعيار الأساسي في كيفية الوقاية أو العلاج بحق المجرم فوضح د.فارس أنه يعود إلى نوع السلوك وديمومة السلوك لأن الإنسان الصالح والنزيه الذي يرتكب جريمة بالخطأ يجب أن لا يعامل كمجرم أو صاحب تنظيم أو مدمن جريمة بل تختلف العقوبة تبعاً لنوع الجرم أو تكراره وأعتقد أن هناك قوانين تأخذ بعين الاعتبار ذلك. تدافعت الجرائم بقاعات المحاكم ورغم أن المجرم المتمرس حفظ القانون عن ظهر قلب وعَلمَ أن للقاتل نهاية وخيمة مهما كانت الأسباب والدوافع إلا أنه استمر بأفعاله، ومع تحليل شخصية المجرم أجمع خبراء على أن المجرم إما أن يكون متعاطي للحشيش والمواد المخدرة أو نشأ في بيئة بثت فيه أفكار وحولت داخله إلى وحش كامن.

وقد يكون سبب انتشار هذه الفئة الخطيرة من الناس وظهور هذا الكم من المجرمين الداعي إلى الريبة وازديادهم المستمر هو تغذية عالم الجريمة بالأفلام المبثوثة والتي شملت كل أنواع القتل التي تتخيلها ولا تتخيلها إلى جانب مساهمة أفراد وعصابات في تكثيف جهودهم للحصول على أكبر عدد ممكن من الأشخاص القابلين للتطويع عن طريق استغلال ظروفهم المحيطة، فالضغط النفسي والخوف والإرهاب الذي غطى العالم أسباب كفيلة بأن يكابد هذا المجتمع الكثير من القروح والأمراض بعد أن قدم له كل أنواع الجرائم والصراعات وغيرها والتي حضرت في مطابخ الدول المصدرة للوحشية.

ومع أن لكل جريمة عقابها لكن ربما علينا النظر بطريقة العقاب وأن لا تقف العقوبة عند قرار السجن فقط بل محاولة تغيير نفسية السجين في تهذيبه نفسياً، ولأن الاكتفاء بالسجن يعتبر عقوبة مؤقتة أما بناء الشخصية فهو تأديب بعيد المدى ثقافياً واجتماعياً. وهذا ما أكده د. مجدي بالقول: “العقوبة ممكن أن تزيد الطين بلة فمن وقع عليه ظلماً واتخذ أسلوباً إجرامياً كردة فعل فلا تنفع معه العقوبة لأن تفكير الشخص الغير ملتزم بقانون اجتماعي يختلف عن الإنسان السوي فإذا حاولت تصحيح مسار تفكير الشخص السوي قد تكون أسرع وأنجح في احتواء السلوك الإجرامي”. قسوة الحياة ومتطلباتها والمؤثرات المتسارعة والمتزايدة ومختلف أسباب ودوافع الإجرام لا يمكن تبريرها بأي شكل، إلا أن الحياة مستمرة والأخطاء واردة الحصول، وحتى لا تكون أخطاؤنا نقاط ضعف في المجتمع يجب تقويتها بكثير من الطرق الإيجابية وليس فقط العقوبات المتعارف عليها بالقانون.

البعث ميديا || ريم حسن