اقتصادالاقتصاد الدولي

بين موسكو والرياض… وحرب أسعار النفط!!

لم يتوقف استعراض العضلات الذي بدأه ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان عند حدود الاعتقالات الأخيرة التي حدثت منذ أيام، وكان هناك استعراض جديد فيما يتعلق بزيادة كمية إنتاج النفط السعودي، لمواجهة الإنتاج الروسي، بعد فشل مفاوضات (أوبك بلس)، الأمر الذي تسبب بانخفاض أسعار النفط لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات.
في البداية تجدر الإشارة إلى أن منظمة أوبك وروسيا توصلتا، مطلع العام 2016، إلى اتفاق يهدف للسيطرة على أسعار النفط من خلال اتخاذ قرارات بشأن مستويات الإنتاج، سواء بخفضه أو زيادته، وهذا الاتفاق يخضع بطبيعة الحال للمتغيرات التي يشهدها السوق بفعل الأزمات والحروب وحتى الكوارث الطبيعية، ومع انتشار فيروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد العالمي، تراجع الطلب على الخام النفطي، وخاصة من دول شرق أسيا بحوالي 435 ألف برميل يوميا، وهذا ما دفع إلى اجتماع من قبل منتجي النفط في (أوبك+) لتعميق خفض الإنتاج.
وخلال الأسابيع الماضية شهدت الاجتماعات بين أوبك وروسيا، اختلافا بوجهات النظر بين الطرفين حول كيفية التعامل مع الوضع الحالي، حيث اقترحت الرياض زيادة جديدة في تخفيض الإنتاج بحواليّ 1.5 مليون برميل يوميًّا، الأمر الذي رفضته موسكو، التي ترى أنه يجب الحفاظ على الاتفاق بشروطه الراهنة وتمديده، وهذا لم يعجب السعودية.
ولهذا اتخذت الرياض قرارا بزيادة إنتاجها بحوالي 12 مليون برميل يوميا، وخفضت أسعار النفط لديها، وانضمت إليها الإمارات التي أعلنت هي الأخرى رفع إنتاجها اليومي، وتبع ذلك انخفاض سعر الخام بنسبة 25% تقريبا.
السعودية تريد بذلك إضعاف الموقف الروسي، وهي، بحسب محللين، قد تكون قادرة على زيادة حصتها في السوق العالمية على حساب روسيا، لكنها لن تصمد إذا ما استمرت أسعار النفط منخفضة بهذا الشكل، فالاقتصاد السعودي يعتمد في معظمة، حوالي 80 – 90% منه، على عائدات النفط، وتحتاج السعودية إلى أسعار لا تقل عن 60 – 70دولارا للبرميل لضمان التوازن في ميزانيتها، خاصة مع ارتفاع نسبة العجز فيها للعالم الحالي.
وبالطبع، لا تستطيع المملكة اتخاذ مثل هكذا قرار لولا دعم واشنطن لها، والتي بدورها تريد تقويض سيطرة موسكو على صناعة الغاز الطبيعي في أوروبا، حيث إنها عرقلت خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي يمر تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، عبر مجموعة من قرارات الحظر.
ولكن ما يجري قد يكون في مصلحة موسكو، حيث أن الرفض الروسي لما قدمته الرياض سببه شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية، إذ إن الاتفاق وتخفيض إنتاج النفط للحفاظ على استقرار أسعاره، سمح لتلك الشركات باستغلال الوضع وزيادة إنتاجها، ما أسفر عن حصول الولايات المتحدة على حصة كبيرة في السوق العالمية.
ولذلك ترى موسكو أن انخفاض أسعار النفط سيؤثر على كلفة إنتاج النفط الصخري، والذي تعد تكلفة إنتاجه مرتفعة مقارنة مع الخام الذي تنتجه روسيا، وهذا من شأنه أن يضر بتلك الشركات وتعرض أغلبها للإفلاس، وبالتالي تتاح الفرصة أمام روسيا لزيادة حصتها في سوق النفط العالمي.
بالإضافة إلى أن روسيا قادرة على تحمل أعباء هذه المواجهة لفترة طويلة، فالاقتصاد الروسي متنوع في مصادر الدخل، ولا يعتمد فقط على النفط، ومن المحتمل أن تكون موسكو خططت لهذا قبل أشهر، حيث عملت على تعزيز اقتصادها وبيع سندات خزانة أمريكية وغيرها، فضلا عن شراء كميات كبيرة من الذهب.
الفوضى في أسواق البورصات العالمية، لاسيما سوق النفط، صبت في مصلحة المعدن الأصفر، حيث رأى المستثمرون في الذهب ملاذاً أمناً، لذا شهدنا ارتفاعا كبيرا في أسعاره، حيث سجل أعلى مستويات له في 7 سنوات.
حرب أسعار النفط هذه لها عواقب وخيمة على كثير من البلدان المنتجة للنفط، وعلى رأسها السعودية، والرجوع إلى طاولة المفاوضات لن يكون سهلاً كما تفكر الرياض، فموسكو اتخذت قرارها وهذا ما كانت تريده وتراه شركات النفط الروسية هو الأفضل لمصلحة البلاد.

البعث ميديا  ||  إعداد: رغد خضور