الشريط الاخباريدوليسلايدسياسة

باحث فرنسي لـ البعث ميديا: الاتحاد الأوروبي مقبل على أزمة وجودية كبرى بعد كورونا

لسنوات مضت أصر القادة الأوروبيين على أن حلمهم الأوروبي الممثل بالاتحاد مازال صالحاً لأن يكون النموذج المثالي لبناء العلاقات الدولية ولاسيما ما بعد انتهاء الحرب الباردة، ورغم التقليل من أهمية خروج بريطانيا من البيت الأوروبي، إلا أن انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) وما أظهره من تضامن مفقود وحسابات سياسية بين دوله على أساس التفوق والقوة الاقتصادية وربما الأعراق والقوميات، أكد وبما يقطع الشك أن اتحادهم يحتضر وفي طريقه إلى التفكك والاندثار.

الباحث السياسي الفرنسي أنطوان شاربنتييه في حوار مع البعث ميديا كشف عن الكثير من القضايا والأزمات التي تعصف بالاتحاد الأوروبي في الحوار التالي:

*- مع انتشار كورونا في الصين والتحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية بقيت أوروبا غير مكترثة وربما مستهترة ومستكبرة في التعامل مع الوباء، إجراء الانتخابات البلدية الفرنسية مثال.. برأيك هل ما يجري في فرنسا نتيجة لفشل الساسة الفرنسيين؟

**- مع تفشى فيروس كورونا المستجد في أوروبا وخاصة عندما ساءت الحالة في إيطاليا وإسبانيا ومن ثم ألمانيا وفرنسا، صرحت المفوضية الأوروبية أنها بالفعل أساءت التقدير بانتشار الوباء، وهذا شيء غريب جداً لأنهم رؤوا بأعينهم ماذا حصل في الصين وحتى في إيطاليا التي هي أمام أعينهم ولم يأخذوا أي إجراء لمواجهة ذلك ما يطرح بالفعل الكثير من الأسئلة.

بالنسبة للانتخابات البلدية الفرنسية في الدورة الأولى، كان الإصرار على إجرائها من قبل الرئيس ماكرون وحكومته غريب ولاسيما أن فترات الحظر كانت قد بدأت وانتشار الوباء في شرق فرنسا بلغ مستويات مرتفعة، ولكن حكومة إدوارد فليب أرادت أن تهرب من مشكلة سياسية قد تقع في حال عدم إجراء الانتخابات البلدية،  وبالتالي ستتأزم الأوضاع السياسية في البلاد المأزومة أصلاً منذ سنة ونصف على وقع الاحتجاجات والمظاهرات، كما أن الأحزاب السياسية أظهرت أن مصالحها السياسية قبل حياة الفرنسيين، فالحكومة اجتمعت مع قادة الأحزاب قبل المضي بالانتخابات ولكن الجميع أصر على إجرائها بما فيها حزب الرئيس، فأحزاب المعارضة كانت تريد تسجيل نقاط على ماكرون وحكومته، وهي كانت تستطيع أي أحزاب أن تتفق على عد إجراء الانتخابات وإرسال قانون على البرلمان ولكن لم يحدث ذلك في ظل ضياع لدى الأوساط الفرنسية الرسمية ماذا تفعل لمواجهة الوباء.

 

التقشف والرفاهية!!

 

*- كشفت أزمة كورونا عن حالة مترهلة في المجتمع الفرنسي طبيباً على أقل تقدير حيث سجلت الكثير من حالات السرقة للمنتجات الطبيبة .. برأيك ما هي الأسباب ؟

**- الخلل الذي حدث في فرنسا ولاسيما في القطاع الصحي لا يتحمله ماكرون فقط وإنما السياسيات الفرنسية المتلاحقة والتي اعتمدت التقشف وتقليص النفقات مما أدى إلى نواقص كبيرة أضعفته، مما أدى إلى عدم تمكنه من مواجهة الأزمة الحاصلة بشكل سليم وجذري، وبالتالي إذا كان هناك فشل فهو بعدم الجهوزية لبلد كفرنسا وألمانيا لمواجهة هذه الأنواع من الأزمات، وهم الذين يعرفون أن مثل هذه الأشياء ستحصل في المستقبل، فالكل كان يتكلم منذ سنوات عن الحروب البيولوجية ويدركون مدى تأثير المناخ وعدم المناعة عند الإنسان من جراء تغييره، والأمر ينطبق على الغذاء ونمط العيش وبالتالي كان عليهم أن يكونوا جاهزين أكثر من ذلك.

أمر أخر أيضاً هو الشعب الفرنسي نفسه الذي رفض التقييد بإجراءات الحظر الصحي واحترامها، فالفرنسيون كغيرهم من الشعوب الأوروبية اعتادت على حياة الرفاهية المفرطة ودورة حياتهم كلها تدور حول هذه الرفاهية وتأمينها، وبالتالي كان لديهم صعوبة بمسألة فهم هذا الفيروس الذي هو نوع من أنواع الحروب، وبما أنها حرب غير عسكرية، وغير مرئية ومنظورة الأمر الذي زاد من عدم تقبلهم لهذا الوضع واحترامه للإجراءات وبالتالي هم ساهموا  بطريقة أو بأخرى في تفشي الوباء.

 

لا سياسية استباقية

 

*- الحالة الصعبة التي تعاني منها دول أوروبية والرقم الكبير فسره البعض انه محاولة للتخلص من فئة كبار السن بالمجتمع الذين يكلفون الخزينة العامة المليارات هل بالفعل الأمر كذلك؟.

**- لا أوافقك الرأي كلياً أن الدول الأوروبية تركت الوباء يتفشى وتخلت عن شعوبها، ولكن الذي حدث أن المسنين والمرضى المزمنين والمعاقين، هم الحلقة الأضعف في تفشي الوباء، ولا يمكن أن ننسى ما حصل في 2013 عندما ضربت موجة حر في فرنسا حينها توفي ما يقارب 10000 فرنسي قسم كبير منهم من كبار السن.

وبرأيي ما حصل في أوروبا وفي فرنسا ناجم عن الافتقار لسياسية استباقية مشفوعة ببعض الخيارات السياسية والتقشف غير الواقعية، الأمر الذي أدى إلى اختلال في الكثير من مجالات الحياة العامة، كما رأينا أن القوى الاقتصادية الرائدة كألمانيا أصبحت بحالة كإيطاليا، وهذا سيقود إلى أزمة سياسية قد تكون بنفس قوة أزمة كورونا.

 

التضامن مفقود

 

*- كان لافتا على الصعيد الأوروبي أن التعامل بين دول الاتحاد بخصوص كورونا كان انتقائياً إيطاليا مثال.. هل ما عائد  إلى تصفية حسابات سياسية ؟

**- إن مبدأ التضامن الذي أسس له الاتحاد الأوروبي كثيراً لم يعد موجوداً، وقد شاهد العالم كيف تم إغلاق الحدود بين الدول الأوروبية، وتخلوا عن بعضهم البعض وتركوا إيطاليا وإسبانيا تعانيان لوحدهما، وهذا سيؤدي إلى أزمة سياسية ستضع الاتحاد الأوربي على المحك وربما التفكك.

وعليه فإن الطريقة التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي ستكون شبه مستحيلة في المستقبل، وسيضطر إلى تغييرها ومراجعتها من أجل تجنب التفكك على غرار ما حدث مع بريطانيا، فالمشكلة أن الدول التي تنتمي إلى المعسكر الغربي تنأى بنفسها عن بعضها البعض على خلفية تفردية أصبحت رئيسية في المجتمع والثقافة الأوروبية، وهي تناقض مبدأ التضامن ما بين دول الاتحاد الأوروبي،  مما سمح لروسيا والصين بالتسلسل إلى المعسكر الغربي وأوروبا وهذه المرة من خلال السياق الصحي،  رأينا أن إيطاليا طلبت المساعدة من الصين والرئيس الصربي ينزل العلم الأوروبي، ويرفع مكانه العلم الصيني، ويتحدث عن تبخر الحلم الأوروبي. ما يعني أن الاتحاد الأوروبي ضعف كثيراً في هذه الأزمة، وهو قادم على أزمة سياسية كبيرة. وهو ليس له مخارج كثيرة وهذه ستكون مشكلته الأكبر،  ضعف الاتحاد الأوروبي سيزداد أيضاً بانتقال مراكز القوى والقرار والثقل من الغرب إلى الشرق. ما سيؤدي إلى تداعيات سلبية كبيرة جداً خصوصاً على الاتحاد الأوروبي الذي هو الحلقة الأضعف في المحور الغربي.

أزمة عميقة

وبالتالي نستطيع أن نقول أن الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي انتهى بعض الشيء،  ولهذا على الساسة الأوروبيين أن يفتشوا على طريقة جديدة لعمل الاتحاد في المستقبل. قبل الكورونا كان هناك أزمة سياسية واليوم ستتفاقم الأوضاع أكثر بين الطبقة الحاكمة والمعارضين لها إن كانوا من اليمين المتطرف أو من اليسار المتطرف. إن كورونا فعّل التيارات المتشددة والمتطرفة في أوروبا، وبدأت المعركة إعلامياً وسياسياً نسبياً ضد اللاجئين وضد المغتربين وأصحاب البشرة الملونة وهناك تطرف قد يفجر الوضع بعض الأزمة، مما سيؤدي إلى جدل كبير سيغير الأداء السياسي في أوروبا وفي فرنسا، أي أننا سنكون أمام أزمة سياسية عميقة جداً وقد تكون أصعب من أزمة الكورونا، والأمر ينساق على الاقتصاد الذي يعاني أيضاً منذ قبل كورونا واليوم مع توقف العملية الاقتصادية سيعاني أكثر، وفي نفس السياق يأتي الجانب العسكري فالوضع السياسي والاقتصادي المتأزم سينجر على العسكر أيضاً.

 

الحلم يتبخر

 

*- رئيس وزراء إيطاليا حذر الاتحاد الأوروبي من فقدان سبب وجوده بسبب أزمة كورونا.. برأيك هل انتهى الحلم الأوروبي ببناء اتحاد قوي؟.

**- ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي كونتي في جزء منه صحيح، وهذا نتيجة مسار طويل تفجر مع أزمة كورونا، لقد رأينا بعض الأفلام على اليوتيوب لمواطنين إيطاليين يغنون نشيدهم الوطني وآخرين يحرقون العلم الأوروبي، ورأينا نائب رئيس مجلس البرلمان الإيطالي فابيو رامبيلي يزيل علم الاتحاد الأوروبي من مكتبه ويستبدله بعلم ايطاليا، والأمر كذلك في صربيا التي استبدلت علم الاتحاد بعلم الصين، فيما تابعنا القوافل العسكرية الروسية تجوب الشوارع الإيطالية وتقدم المساعدة بينما تخلى عنها الاتحاد الأوروبي.

المعنى ربما أن هذه المظاهر لا تعني أن كل المزاج الأوروبي تغيير ولكن تقدم بعض الأدلة على الحالة الذهنية الحالية للشعوب الأوروبية والخطر الذي سيواجه أوروبا من انتهاء كورونا مما سيضعها على طريق الانقسام والتحديات الكبرى، واليوم المواطن الأوروبي يتسائل.. الاتحاد الأوروبي بماذا سينفعني إن كنت سياسياً فأنا لست موجود على الساحة الدولية ولا أحد يقيم لي وزناً، ليس من الأعداء فقط وإنما من الحلفاء وما يجري حالياً بين الاتحاد الأوربي وأمريكا والحروب التي أعلنها ترامب ضده وإغلاق حدوده بوجهم في أزمة كورونا وعدم مساعدته لهم لا من قريب ولا من بعيد، مثال واضح على ذلك، كما ويتسائلون ما نفع أوروبا إذا الاقتصاد يتهاوى وموازين القوى تميل إلى الشرق أكثر من الغرب وهم يفقدون من رفاهيتهم ومن عيشهم يوما بعد يوما.. وهذا سيشكل أزمة كبيرة بعد وباء كورونا وخصوصا أن بعض الحكومات الأوربية لم تكن قادرة على تجنب ما حصل أو إبلاغ شعوبها منذ البداية، وتقديم الإجابات اللازمة وفي هذا الحال بعد الأزمة مجبورون أن يقدمون الأجوبة الملموسة وبما انه ليس من الإمكانية لقول الحقيقة سيكون مصيرهم على المحك.

البعث ميديا || حوار سنان حسن